فارجحنَّتْ في حسنِ خلقٍ عميمٍ ... تتهادَى في مشِيها كالحبُابِ
ثمَّ قالوا تحبُّها قلتُ بهراً ... عدد القطرِ والحصَى والتُّرابِ
سلبتنِي مجاجةُ المسكِ عقلِي ... فسلُوها بما يحلُّ اغتصابِي
وقال عمر بن أبي ربيعة:
خليليَّ مرّا بي على رسمِ منزِلٍ ... وربعٍ لشنباءَ ابنةِ الخيرِ محولِ
أتى دونَهُ عصرٌ فأخنَى برسمِهِ ... خلوجان من ريحٍ جنوبٍ وشمألِ
سرَى جلِّ ضاحِي جلدِهِ ملتقاهُما ... ومرُّ صباً بالمورِ هوجاءُ مجفَلِ
وبدِّلَ بعدَ الحيِّ عيناً سواكِناً ... وخيطَ نعامٍ بالأماعزِ همَّلِ
بما قدْ أرى شنباءَ حيناً تحلُّهُ ... وأترابُها في ناضرِ النّبتِ مبقِلِ
لياليَ تصطادُ القلوبَ بفاحمٍ ... وعيني خذولٍ مونقِ الجوِّ مطفلِ
وجونٍ يثنَّى في العقاصِ كأنَّهُ ... دوانِي قطوفٍ أو أنابيبُ عنصلِ
تضلُّ مداريها خلالَ فرُوعِها ... إذا أرسلَتْهُ أو كذا غيرَ مرسلِ
وتنكَلَّ عن غرٍّ شتيتٍ نباتُهُ ... عذابٍ ثناياهُ لذيذِ المقبَّلِ
كمثلِ أقاحِي الرَّملِ يجلو متونَهُ ... سقوطُ ندىً من آخرِ اللّيلِ مخضلِ
إذا ابتسمتْ قلتَ انكلالُ غمامةٍ ... خفا برقُها في عارضٍ متهلّلِ
كأنَّ سحيقَ المسكِ خالطَ طعمهُ ... وريحَ الخزامَى في جديدِ القرنفلِ
بصهباءَ درياقِ المدامِ كأنَّها ... إذا ما صفا راووقُها ماءُ مفصلِ
وتمشِي على برديَّتينِ غذاهُما ... همايمُ أنهارٍ بأبطحَ مسهلِ
من الحورِ مخماصٍ كأنَّ وشاحَها ... بعسلوجِ غابٍ بينَ غيلٍ وجدوَلِ
قليلةِ إزعاجِ الحديثِ يروعُها ... تعالِي الضّحَى لم تنتطقْ عنْ تفضّلِ
سؤومُ الضّحَى مكورةُ الخلْقِ غادةٌ ... هضيمُ الحشا حسّانةُ المتعطّلِ
فأمستْ أحاديثَ الفؤادِ وهمَّهُ ... وإنْ كانَ منها قدْ غدا لم ينوَّلِ
وقدْ هاجنِي منْها على النأي دمنَةٌ ... لها بقديدٍ دونَ نعفِ المشلّلِ
أرادتْ فلمْ تسطعْ كلاماً وأومأتْ ... إلينا ونصَّتْ جيدَ حوراءِ معزلِ
فقلتُ لأصحابي اربُعوا ساعةٍ ... عليَّ وعوجوا من سواهِمَ ذبلَّ
قليلاً فقالوا إنَّ أمركَ طاعةٌ ... لما تشتهي فاقضِ الهوَى وتأمَّلِ
لكَ اليومَ حتى الليلَ إنْ شئتَ فأتمرْ ... وصدرَ غدٍ أو كلُّهُ غيرَ معجلِ
وإنّا على أن تسعفَ النفسُ بالهوَى ... حراصٌ فما حاولتَ من ذاكَ فافعلِ
ونصُّ المطايا في رضاكَ وحبسُها ... لكَ اليومَ مبذولٌ ولكنْ تحمَّلِ
فلمّا رأيتُ الحبسَ في رسمِ منزلٍ ... سفاهاً وجهلاً بالفؤادِ الموكَّلِ
فقلتَ لهمْ سيُروا فإنَّ لقاءَها ... توافِي الحجيجَ بعدَ حولٍ مكمَّلِ
فما ذكرهُ شنباءَ والدّارُ غربَةٌ ... عنوجٌ وإنْ تجمعْ تضنَّ وتبخلِ
وإنْ تنأ تحدثْ للفؤادِ زمانةً ... وإنْ تقتربْ تعدُ العوادِي وتشغلِ
وإنْ تغدُ لا تحفلْ وإنْ تدنُ لا تصلْ ... وإنْ تنأ لا تصبرْ وإنْ تدنُ تجذَلِ
وإنْ تلتمسْ منّا المودَّةَ نعطِها ... وإنْ تلتمسْ ممّا لديْها تعلَّلِ
فقدْ طالَ لو تبكِي إلى متحوِّبٍ ... بكاكَ إلى شنباءَ يا قلبُ فاحتلِ
أفقْ إنَّما تبكِي إلى متمنّعٍ ... من البخلِ مألوسِ الخليقةِ حوَّلِ
فقدْ كادَ يسلُو القلبُ عنها ومن يطلْ ... عليهِ التَّنائي والتَّباعدُ يذهلِ
على إنَّهُ إنْ يلقَها بعدَ غيبةٍ ... يعدْ لكَ داءٌ عائدٌ غيرُ مرسلِ
فإنَّكِ لا تدرينَ أنْ ربَّ فتيةٍ ... عجالَى ولولا أنتَ لمْ أتعجَّلِ
منعتُهُمُ التَّعريسَ حتَّى بدا لهمْ ... قواربُ معروفٍ منَ الصّبْحِ منجلِي
ينصّونَ بالموماةِ خوصاً كأنَّها ... شرائجُ نبعٍ أو شريٍّ معطَّلِ
دقاقاً براها السَّيرُ منها منعَّلُ ... السَّريحِ وواقٍ من حفاً لمْ ينعَّلِ
فأضحوا جميعاً تعرفُ العينُ فيهمِ ... كرَى النَّومِ مسترْخي العمائمِ ميَّلِ
على هدمٍ جحدِ الثَّرى ذي مسافةٍ ... مخوفِ الرَّدى عاري السَّلائقِ مجهَلِ