يقولُ ليَ الأصحابُ هلْ أنتَ لاحقٌ ... بأهلكَ إنَّ الزاهريةَ لاهيا
لحقتُ وأصحابي على كلِّ حرةٍ ... وخودٍ تباري الأحبشيَّ المكاريا
ترامين بالأجوازِ في كلِّ صفصفٍ ... وأدنينَ منْ خلجِ البرينِ الذفاريا
إذا بلغتْ رحلي رجيعٌ أملها ... نزوليَ بالموماةِ ثمَّ ارتحاليا
مخففةً يسري على الهولِ ركبها ... عجالاً بها ما ينظرونَ التواليا
تخالُ بها ميتَ الشخاصِ كأنهُ ... قذى غرقٍ يضحي بهِ الماءُ طافيا
يشقُّ على ذي الحلم أنْ يتبعَ الهوى ... ويزجرُ منْ أدناهُ أن ليسَ لا قيا
وإني لعفُّ الفقرِ مشتركُ الغنى ... سريعٌ إذا لمْ أرضَ داري احتماليا
وإني لأستحييكَ والخرقُ بيننا ... منَ الأرضِ أنْ تلقى أخاً لي قاليا
وقائلةٍ والدمعُ يحدرُ كحلها ... أبعدَ جريرٍ تكرمونَ المواليا
فردي جمالَ الحيِّ ثمَّ تحملي ... فما لكِ فيهمْ من مقامٍ ولا ليا
فأنتَ أبي ما لمْ تكنْ ليَ حاجةٌ ... فإنْ عرضتْ فإنني لا أبا ليا
بأيِّ نجادٍ تحملُ السيفَ بعدما ... قطعتُ قوىً من محملٍ كانَ باقيا
بأيِّ سنانٍ تطعنُ القومَ بعدما ... نزعتَ سناناً من قناتكَ ماضيا
ألمْ أكُ ناراً يصطليها عدوكمْ ... وحرزاً لما ألجأتمُ من ورائيا
وباسطَ خيرٍ فيكمُ بيمينهِ ... وقابضَ شرٍّ عنكمُ بشماليا
ألا لاَ تخافا نبوتي في ملمةٍ ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا
إذا سركمُ أنْ تمسحوا وجهَ سابقٍ ... جوادٍ فمدوا وابسطوا منْ عنانيا
أنا ابنُ صريحيْ خندفٍ غيرَ دعوةٍ ... تكونُ مكانَ القلبِ منها مكانيا
وليسَ لسيفي في العظامِ بقيةٌ ... وللسيفُ أشوى وقعةٌ من لسانيا
جريءُ الجنانِ لا أهالُ منَ الردى ... إذا ما جعلتُ السيفَ منْ عنْ شماليا
أبالموتِ خشتني قيونُ مجاشعٍ ... وما زلتُ مجنياًّ عليّ وجانيا
وما مسحتْ عندَ الحفاظِ مجاشعٌ ... كريماً ولا منْ غايةِ المجدِ دانيا
دعوا المجدَ إلاَّ أن تسوقوا كزومكمْ ... وقيناً عراقياً وقيناً يمانيا
تراغيتمُ يومَ الزبيرِ كأنكمْ ... ضباعٌ بذي قارٍ تمنى الأمانيا
وقال جرير يجيب الفرزدق:
لمنِ الديارُ كأنها لمْ تحللِ ... بين الكناسِ وبينَ طلحِ الأعزلِ
ولقدْ أرى بكَ والجديدُ إلى بلى ... موتَ الهوى وشفاءَ عينِ المجتلي
نظرتْ إليكَ بمثلِ عينى مغزلٍ ... قطعتْ حبالتها بأعلى يليلِ
وإذا التمستَ نوالها بخلتْ بهِ ... وإذا عرضتَ بودها لمْ تبخلِ
ولقدْ ذكرتكِ والمطيُّ خواضعٌ ... وكأنهنَّ قطا فلاةٍ مجهلِ
يسقينَ بالأدمى فراخَ تنوفةٍ ... زغباً حواجبهنَّ حمرَ الحوصلِ
يا أمَّ ناجيةَ السلامُ عليكمُ ... قبلَ الرواحِ وقبلَ لومِ العذلِ
وإذا غدوتِ فباكرتكِ تحيةٌ ... سبقتْ سروحَ الشاحجاتِ الحجلِ
لو كنتُ أعلمُ أنَّ آخرَ عهدكمْ ... يومُ الرحيلِ فعلتُ ما لمْ أفعلِ
أو كنتُ أرهبُ وشكَ بينٍ عاجلٍ ... لقنعتُ أو لسألتُ ما لمْ أسالِ
أعددتُ للشعراءِ سمَّاً ناقعاً ... فسقيتُ آخرهمْ بكأسِ الأولِ
لما وضعتُ على الفرزدقِ ميسمي ... وعلى البعيثِ جدعتُ أنفَ الأخطلِ
أخزى الذي سمكَ السماءَ مجاشعاً ... وبنى بناءكَ بالحضضِ الأسفلِ
بيتاً يحممُ قينكمْ بفنائهِ ... دنساً مقاعدهُ خبيثَ المدخلِ
ولقدْ بنيتَ أذلَّ بيتٍ يبتنى ... فهدمتُ بيتكمُ بمثلي يذبلِ
إني بنى ليَ في المكارمِ أولي ... ونفختَ كيركَ في الزمانِ الأولِ
أعيتكَ مأثرةُ القيونِ مجاشعٍ ... فانظرْ لعلكَ تدعي منْ نهشلِ
وامدحْ سراةَ بني فقيمٍ إنهمْ ... قتلوا أباكَ وثأرهُ لمْ يقتلِ
ودعِ البراجمَ إنَّ شربكَ فيهمُ ... مرٌّ عواقبهُ كطعمِ الحنظلِ
إني انصببتُ منَ السماءِ عليكمُ ... حتى اختطفتكَ يا فرزدقُ منْ علِ
من بعدِ صكي للبعيثِ كأنهُ ... خربٌ تنفجَ من حذارِ الأجدلِ
ولقدْ وسمتكَ يا بعيثُ بميسمي ... وضغا الفرزدقُ تحتَ حدِّ الكلكلِ