حسبُ الفرزدقِ أنْ تسبَّ مجاشعٌ ... ويعدَّ شعرَ مرقشٍ ومهلهلِ
طلبتْ قيونُ بني قفيرةَ سابقاً ... غمرَ البديهةِ جامحاً في المسحلِ
قتلَ الزبير وأنتَ عاقدُ حبوةٍ ... تباً لحبوتك التي لمْ تحللِ
وافاكَ غدركَ بالزبيرِ على منى ... ومجرِّ جعثنكمْ بذاتِ الحرملِ
باتَ الفرزدقُ يستجيرُ لنفسهِ ... وعجانُ جعثنَ كالطريقِ المعملِ
أينَ الذينَ عددتَ أنْ لا يدركوا ... بمجرِّ جعثنَ يا بنَ ذاتِ الدملِ
أسلمتَ جعثنَ إذْ تجرُّ برجلها ... والمنقريُّ يدوسها بالمنشلِ
تهوي استها وتقولُ يالَ مجاشعٍ ... ومشقُّ ثقبتها كعينِ الأقبلِ
لا تذكروا حللَ الملوكِ وأنتمُ ... بعدَ الزبيرِ كحائضٍ لمْ تغسلِ
أبنيَّ شعرةَ لنْ تسدَّ طريقنا ... بالأعميينِ ولا قفيرةَ فازحلِ
ما كانَ ينكرُ في نديِّ مجاشعٍ ... أكلُ الخزيرِ ولا ارتضاعُ الفيشلِ
ولقدْ تبينَ في وجوهِ مجاشعٍ ... لؤمٌ يثورُ ضبابهُ لا ينجلي
ولقدْ تركتُ مجاشعاً وكأنهمْ ... فقعٌ بمدرجةِ الخميسِ الجحفلِ
إني إلى جبليْ تميمٍ معقلي ... ومحلُّ بيتيَ في اليفاعِ الأطولِ
أحلامنا تزنُ الجبالَ رزانةٌ ... ويفوقُ جاهلنا فعالَ الجهلِ
فاعجلْ إلى حكمي قريشٍ إنهمْ ... أهلُ النبوةِ والكتابِ المنزلِ
فاسألْ إذا خرجَ الخدامُ وأحمشتْ ... حربٌ تضرمُ كالحريقِ المشعلِ
والخيلُ تنحطُ بالكماةِ وقد رأوا ... لمعَ الربيئةِ بالنيافِ العيطلِ
أبني طهيةَ يعدلونَ فوارسي ... وبنو خضافِ وذاكَ ما لمْ يعدلِ
وإذا غضبتُ رمى ورائيَ بالحصى ... أبناءُ جندلتي كخيرِ الجندلِ
عمرٌو وسعدٌ يا فرزدقُ فيهمِ ... زهرُ النجومِ وباذخاتُ الأجبلِ
كانَ الفرزدقُ إذْ يعوذُ بخالهِ ... مثلَ الذليلِ يعوذُ تحتَ القرملِ
فافخرْ بضبةَ إنَّ أمكَ منهمُ ... ليسَ ابنُ ضبةَ بالمعمِّ المخولِ
وقضتْ لنا مضرٌ عليكَ بفضلنا ... وقضتْ ربيعةُ بالقضاءِ الفيصلِ
إن الذي سمكَ السماءَ بنى لنا ... عزاً علاكَ فما لهُ منْ منقلِ
أبلغْ بني وقبانَ أنَّ حلومهمْ ... خفتْ فما يزنونَ حبةَ خردلِ
أزرى بحكمكمُ الفياشُ فأنتمُ ... مثلُ الفراشِ غشينَ نارَ المصطلي
لوْ نكتَ أمكَ بعدَ أكلِ خزيرها ... لتعدَّ مثلَ فوارسي لمْ تفعلِ
في مزبدٍ غلقٍ كأنَّ مشقهُ ... خلُّ المجازةِ أو طريقُ العنصلِ
تصفُ السيوفَ وغيركمْ يعصى بها ... يا ابنَ القيونِ وذاكَ فعلُ الصيقلِ
وبرحرحانَ تخضخضتْ أصلاؤكمْ ... وفزعتمُ فزعَ البطانِ العزلِ
خصيَ الفرزدقُ والخصاءُ مذلةٌ ... يرجو مخاطرةَ القرومِ البزلِ
هابَ الخواتنُ منْ بناتِ مجاشعٍ ... مثلَ المحاجنِ أو قرونَ الأيلِ
وكأنَّ تحتَ ثيابِ خورِ مجاشعٍ ... بطاً يصوتُ في سراةِ الجدولِ
قعدتْ قفيرةُ بالفرزدقِ بعدما ... جهدَ الفرزدقُ جهدهُ لا يأتلي
ألهى أباكَ عنِ المكارمِ والعلى ... ليُّ الكتائفِ وارتفاعُ المرجلِ
ولدتْ قفيرةُ قدْ علمتمْ خبثةً ... بعدَ المشيبِ وبظرها كالمنجلِ
بزرودَ أرقصتِ القعودُ فراشها ... رعثاتِ عنبلها الغدفلِ الأرعلِ
أشركتِ إذْ حملتْ لأمكَ خبثةً ... حوضَ الحمارِ بليلةٍ منْ ثيتلِ
أبلغْ هديتيَ الفرزدقَ إنها ... ثقلٌ يزادُ على حسيرٍ مثقلِ
وقال جرير يجيب الفرزدق:
سمتْ ليَ نظرةٌ فرأيتُ برقاً ... تهامياً فراجعني ادكاري
يقولُ الناظرونَ إلى سناهُ ... نرى بلقاً شمسنَ على مهارِ
لقدْ كذبتْ عداتكِ أمَّ بشرٍ ... وقدْ طالتْ أناتي وانتظاري
عجلتِ إلى ملامتنا وتسري ... مطايانا وليلكِ غيرُ ساري
فهانَ عليكِ ما لقيتْ ركابي ... وسيري في الملمعةِ القفارِ
وأيامٌ أتينَ على المطايا ... كأنَّ سمومهنَّ أجيجُ نارِ
كأنَّ على مغابنهنَّ هجراً ... كحيلَ الليتِ أو نبعانَ قارِ
لقدْ أمسى البعيثُ بدارِ ذلٍّ ... وما أمسى الفرزدقُ بالخيارِ