أتعدلُ يربوعاً خناثى مجاشعٍ ... إذا هزَّ بالأيدي القنا فتزعزعا
تلاقي ليربوعٍ إيادَ أرومةٍ ... وعزاً أبتْ أوتادهُ أنْ تنزعا
وجدتُ ليربوعٍ إذا ما عجمتهمْ ... منابتَ نبعٍ لمْ يخالطنَ خروعا
همُ القومُ لو باتَ الزبيرُ لديهمِ ... لما باتَ مفلولاً ولاَ متطلعا
وقدْ علمَ الأقوامُ أنَّ سيوفنا ... عجمنَ حديدَ البيضِ حتى تصدعا
ألاَ ربَّ جبارٍ عليهِ مهابةٌ ... سقيناهُ كأسَ الموتِ حتى تضلعا
نقودُ جياداً لمْ تقدها مجاشعٌ ... تكونُ منَ الأعداءِ مرأى ومسمعا
تداركنَ بسطاماً فأنزلَ في الوغى ... عناقاً ومالَ السرجُ حتى تقعقعا
دعا هانئٌ بكراً وقدْ عضَّ هانئاً ... عرى الكبلِ فينا الصيفَ والمتربعا
ونحنُ خضبنا لابنِ كبشةَ تاجهُ ... ولاقى امرأً في ضمةِ الخيلِ مصقعا
وقابوسُ أعضضنا الحديدَ ومنذراً ... وحسانَ إذْ لا يدفعُ الذلَّ مدفعا
وقدْ جعلتْ يوماً بطخفةَ خيلنا ... مجراً لذي التاجِ الهمامِ ومصرعا
وقدْ جربَ الهرماسُ أنَّ سيوفنا ... عضضنَ برأسِ الكبشِ حتى تصدعا
ونحنُ تداركنا بحيراً وقدْ حوى ... نهابَ العنابينِ الخميسُ ليربعا
فعاينَ بالمروتِ أمنعَ معشرٍ ... صريخَ رياحٍ واللواءَ المزعزعا
فوارسَ لا يدعونَ يالَ مجاشعٍ ... إذا كانَ يوماً ذا كواكبَ أشنعا
ومنا الذي أبلى صديَّ بنَ مالكٍ ... ونفرَ طيراً عنْ جعادةَ وقعا
فدعْ عنكَ لوماً في جعادةَ إنما ... وصلناهُ إذْ لاقى ابنَ بيبةَ أقطعا
ضربنا عميدَ الصمتينِ فأعولتْ ... جداعُ على صلتِ المفارقِ أنزعا
أخيلكَ إذْ خيلي ببلقاءَ أحرزتْ ... دعائمَ عرشِ الحيِّ أنَ يتضعضعا
ولوْ شهدتْ يومَ الوقيظينِ خيلنا ... لما قاظتِ الأسرى القطاطِ ولعلعا
ربعنا وأردفتا الملوكَ فظللوا ... وطابَ الأحاليبِ الثمامَ المنزعا
فتلكَ مساعٍ لمْ تنلها مجاشعٌ ... سبقتَ فلاَ تجزعْ منَ الحقِّ مجزعا
وقال جرير يرثي خالدة بنت سعيد بن أوس بن معاوية بن خلف بن بجاد بن معاوية بن أوس بن كليب، وهي أم حزرة وكان جرير يسمي هذه القصيدة الجوساء لذهابها في البلاد وقيل الحوساء بالحاء:
لولا الحياءُ لهاجني استعبارُ ... ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يزارُ
ولقدْ نظرتُ وما تمتعُ نظرةٍ ... في اللحدِ حيثُ تمكنَ الحفارُ
ولهتِ نفسيَ إذْ علتني كبرةٌ ... وذوو التمائمِ منْ بنيكِ صغارُ
أرعى النجومَ وقدْ مضتْ غوريةً ... عصبُ النجومِ كأنهنَّ صوارُ
نعمَ القرينُ وكنتِ علقَ مضنةٍ ... وارى بنعفِ بليةَ الأحجارُ
عمرتْ مكرمةَ المساكِ وفارقتْ ... ما مسها صلفٌ ولا إقتارُ
فسقى صدى جدثٍ ببرقةِ ضاحكٍ ... هزمٌ أجشُّ وديمةٌ مدرارُ
هزمٌ أجشُّ إذا استحارَ ببلدةٍ ... فكأنما بجوائها الأنهارُ
متراكبٌ زجلٌ يضيءُ وميضهُ ... كالبلقِ تحتَ بطونها الأمهارُ
كانتْ مكرمةَ العشيرِ ولمْ يكنْ ... يخشى غوائلَ أمِّ حزرةَ جارُ
ولقدْ أراكِ كسيتِ أجملَ منظرٍ ... ومعَ الجمالِ سكينةٌ ووقارُ
والريحُ طيبةٌ إذا استقبلتها ... والعرضُ لا دنسٌ ولا خوارُ
وإذا سريتُ رأيتُ ناركِ نورتْ ... وجهاً أغرَّ تزينهُ الإسفارُ
صلى الملائكةُ الذينَ تخيروا ... والصالحونَ عليكِ والأبرارُ
وعليكِ منْ صلواتِ ربكِ كلما ... نصبَ الحجيجُ ملبئينَ وغاروا
يا نظرةً لكَ يومَ هاجتْ عبرةً ... في أمِّ حزرةَ بالنميرةِ دارُ
تحيي الروامسُ ربعها فتجدهُ ... بعدَ البلى وتميتهُ الأمطارُ
وكأنَّ منزلةً لها بجلاجلٍ ... وحيُ الزبورِ تخطهُ الأحبارُ
لا تكثرنَّ إذا جعلتَ تلومني ... لا يذهبنَّ بحلمكَ الإكثارُ
كانَ الخليطُ همُ الخليطُ فأصبحوا ... متبدلينَ وبالديارِ ديارُ
لا يلبثُ القرناءَ أنْ يتفرقوا ... ليلٌ يكرُّ عليهمِ ونهارُ
أفأمَّ حزرةَ يا فرزدقُ عبتمُ ... غضبَ المليكُ عليكمُ الجبارُ