نعبَ الغرابُ فقلتُ بينٌ عاجلٌ ... وجرى بهِ الصردُ الغداةَ الألمعُ
إنَّ الجميعَ تفرقتْ أهواؤهمْ ... إنَّ النوى بهوىَ الأحبةِ تفجعُ
كيفَ العزاءُ ولمْ أجدْ مذْ بنتمُ ... قلباً يقرُّ ولا شراباً ينقعُ
ولقدْ صدقتكِ في الهوى وكذبتني ... وخلبتني بمواعدٍ لا تنفعُ
قدْ خفتُ عندكمُ الوشاةَ ولمْ يكنْ ... لينالَ عندي سركِ المستودعُ
كانتْ إذا أخذتْ لعيدٍ زينةً ... هشَّ الفؤادُ وليسَ فيها مطمعُ
تركتْ حوائمَ صادياتٍ هيماً ... منعَ الشفاءُ وطابَ هذا المشرعُ
أيامَ زبيبُ لا خفيفٌ حلمها ... همشىَ الحديثِ ولا روادٌ سلفعُ
بانَ الشبابُ حميدةً أيامهُ ... ولوَ أنَّ ذلكَ يشترى أوْ يرجعُ
رجفَ العظامُ منَ البلى وتقادمتْ ... سني وفيَّ لمصلحٍ مستمتعُ
وتقولُ بوزعُ قدْ دببتَ على العصا ... هلاَّ هزئتِ بغيرنا يا بوزعُ
ولقدْ رأيتكِ في العذارى مرةً ... ورأيتُ رأسكِ وهو داجٍ أفرعُ
كيفَ الزيارةُ والمخاوفُ دونكمْ ... ولكمْ أميرُ شناءةٍ لا يربعُ
يا أثلَ كابةَ لا حرمتِ ثرى الندى ... هلْ رامَ بعدي ساجرٌ والأجرعُ
وسقى الغمامُ منازلاً بعنيزةٍ ... إما تصافُ جدىً وإما تربعُ
حيوا الديارَ وسائلوا أطلالها ... هلْ ترجعُ الخبرَ الديارُ البلقعُ
ولقدْ حبستُ بها المطيَّ فلمْ يكنْ ... إلاَّ السلامُ ووكفُ عينٍ تدمعُ
لما رأى صحبي الدموعَ كأنها ... سحُّ الرذاذِ على الرداءِ استرجعوا
قالوا تعزَّ فقلتُ لستُ بكائنٍ ... مني العزاءُ وصدعُ قلبي يقرعُ
فسقاكِ حيثُ حللتِ غيرَ فقيدةٍ ... هزجُ الرواحِ وديمةٌ لا تقلعُ
فلقدْ يطاعُ بنا الشفيعُ لديكمُ ... ويطيعُ فيكِ مودةً منْ يشفعُ
هل تذكرينَ زماننا بعنيزةٍ ... والأبرقينِ وذاكَ ما لا يرجعُ
إنَّ الأعاديَ قدْ لقوا لي هضبةً ... تبني معاولهمُ إذا ما تقرعُ
ما كنتُ أقذفُ منْ عشيرةِ ظالمٍ ... إلاَّ تركتُ صفاتهمْ تتصدعُ
أعددتُ للشعراءِ كأساً مرةً ... عندي مخالطها السمامُ المنقعُ
هلاَّ نهاهمْ تسعةٌ قتلتهمْ ... أو أربعونَ حدوتهمْ فاستجمعوا
خصيتُ بعضهمُ وبعضٌ جدعوا ... فشكا الهوانَ إلى الخصيّ الأجدعُ
كانوا كمشتركينَ لما بايعوا ... خسروا وشفَّ عليهمُ فاستوضعوا
أفينتهونَ وقدْ قضيتُ قضاءهمْ ... أمْ يصطلونَ حريقَ نارٍ تسفعُ
ذاقَ الفرزدقُ والأخيطلُ حرها ... والبارقيُّ وذاقَ منها البلتعُ
ولقدْ قسمتُ لذي الرقاعِ هديةً ... وتركتُ فيها وهيةً لا ترقعُ
ولقدْ صككتُ بني الفدوكسِ صكةً ... فلقوا كما لقيَ القريدُ الأصلعُ
وهنَ الفرزدقُ يومَ جربَ سيفهُ ... قينٌ بهِ حممٌ وآمٍ أربعُ
أخزيتَ قومكَ في مقامٍ قمتهُ ... ووجدتَ سيفَ مجاشعٍ لا يقطعُ
لا يعجبنكَ أنْ ترى لمجاشعٍ ... جلدَ الرجالِ وفي القلوبِ الخولعُ
ويريبُ منْ رجعَ الفراسةَ فيهمُ ... رهلُ الطفاطفِ والعظامُ تخرعُ
بذرتْ خضافِ لهمْ بماءٍ مجاشعٍ ... خبثَ الحصادُ حصادهمْ والمزرعُ
إنا لنعرفُ منْ نجارِ مجاشعٍ ... هدَّ الحفيفِ كما يجفُّ الخروعُ
أيفايشونَ وقدْ رأوا حفاثهمُ ... قدْ عضهُ فقضى عليهِ الأشجعُ
هلاَّ سألتَ مجاشعاً زبدَ استها ... أينَ الزبيرُ ورحلهُ المتمزعُ
أجحفتمُ جحفَ الخزيرِ ونمتمُ ... وبنو صفيةَ ليلهمُ لا يهجعُ
وضعَ الخزيرُ فقيلَ أينَ مجاشعٌ ... فشحا جحافلهُ جرافٌ هبلعُ
ومجاشعٌ قصبٌ هوتْ أجوافهُ ... غروا الزبيرَ فأيُّ جارٍ ضيعوا
إنَّ الرزيةَ منْ تضمنَ قبرهُ ... وادي السباعِ لكلِّ حنبٍ مصرعُ
لما أتى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ ... سورُ المدينةِ والجبالُ الخشعُ
وبكى الزبيرَ بناتهُ في مأتمٍ ... ماذا يردُّ بكاءُ منْ لا يسمعُ
قالَ النوائحُ منْ قريشٍ إنما ... غدرَ الحتاتُ ولينٌ والأقرعِ
تركَ الزبيرُ على منىً لمجاشعٍ ... سوءَ الثناءِ إذا تقضىَ المجمعُ