للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألمْ تعلمِي يا أمَّ أسعدَ أنَّنِي ... أهاجُ لخيراتِ الندَى وأهيجُ

وهمٌّ عرانِي منْ بعيدٍ فأدلجتْ ... بيَ الليلَ منجاةُ العظامِ زلوجُ

وشعثٍ نشاوَى منْ نعاسٍ وفترةٍ ... أثرتُ وأنضاءٍ لهنَّ ضجيجُ

ظلنا بحوارِينَ في مشمخرةٍ ... يمرُّ سحابٌ تحتنا وتلوجُ

ترى حارِثَ الجولانِ يبرقُ دونهُ ... دساكرُ من أسفالهنَّ بروجُ

شربنا ببحرٍ من أميةَ دونهُ ... دمشقُ وأنهارٌ لهنَّ عجيجُ

فلما قضينَ الحاجَ أزمعنَ نيةً ... لجلجِ النوَى إنَّ النوَى لخلوجُ

عليها دليلٌ بالفلاةِ ووافِدٌ ... كريمٌ لأبوابِ الملوكِ ولوجُ

ويقطعنَ منْ خبتٍ وأرضٍ بسيطةٍ ... بسابسَ قفزاً وحشهنَّ عروجُ

فلما دنا مِنْها الإيابُ وأدْرِكَتْ ... عجارِفُ حدبٌ مخنَّ مزيجُ

إذا وضعتْ عنها بظهرِ مفازةٍ ... حقائبُ عنْ أصلابَها وسروجُ

رأيتُ ردافاً حولَها من قبيلَةٍ ... منَ الطيرِ يدعوها أحمُّ شحوجُ

وقال الراعي: البسيط

عادَ الهمومُ وما يدرِي الخلِيُّ بها ... واستوردتنِي كما يستوردُ الشرعُ

فبتُّ أنجو بها نفساً تكلفُنِي ... مالا يهمُّ بهِ الجثامةُ الورَعُ

ولومِ عاذِلَةٍ باتتْ تؤرقُنِي ... حرَّى الملامةِ ما تبقي وما تدَعُ

لمّا رأتنِيَ أقررتُ اللسانَ لها ... قالتْ أطعنِيَ والمتبوعُ متبعُ

أخشى عليكَ حبالَ الموتِ راصدَةً ... بكلِّ موردةٍ يرجى بها الطمعُ

فقلتُ لنْ يعجلَ المقدارُ عدتهُ ... ولنْ يباعدَهُ الإشفاقُ والهلعُ

فهلْ علمتِ من الأقوامِ من أحدٍ ... على الحديثِ الذي بالغيبِ يطلعُ

وللمنيةِ أسبابٌ يقربُها ... كما يقربُ للوحشيةَ الذرُعُ

وقد أرى صفحةَ الوحشِي يخطئها ... نبلُ الرماةِ فينجو الآبدُ الصدعُ

وقد تذكرَ قلبِي بعدَ هجعتهِ ... أيَّ البلادِ وأيَّ الناسِ أنتجعُ

فقلتُ بالشامِ إخوانٌ ذوو ثقةٍ ... ما إنْ لنا دونهمْ ريٌّ ولا شبعُ

قومٌ همُ الذروةُ العليا وكاهِلُها ... ومنْ سواهمْ همُ الأظلافُ والزَّمَعُ

فإن يجودُوا فقدْ حاولتُ جودهمُ ... وإنْ يضنُّوا فلا لومٌ ولا قذَعْ

وكمْ قطعتُ إليكمْ من مؤديةٍ ... كأنَّ أعلامَها في آلِها القزَعُ

غبراءَ يهماءَ يخشَى المدلجونَ بها ... زيغَ الهداةِ بأرضٍ أهلُها شيعُ

كانَّ أيْنُقَنا جونِيُّ مورِدَةٍ ... ملْسُ المناكِبِ في أعناقِها هنعُ

قواربُ الماءِ قدْ قدَّ الرواحُ بها ... فهنَّ تفرقُ أحياناً وتجتمعُ

صفرُ الحناجرِ لغواها مبينةٌ ... في لجةِ الليلِ لَمّا راعَها الفزَعُ

يسقينَ أولادَ أبساطٍ مجددةٍ ... أردَى بها القيظُ حتى كُلُّها ضرِعُ

صيفيةٌ حمكٌ حمرٌ حواصلُها ... في أكناتِ حصًى أرجاؤُها صلعُ

يسقينهنَّ مجاجاتٍ يلينُ بها ... منْ آجِنِ الماءِ محفوفاً به الشرَعُ

باكرْنَهُ وفضولُ الريحِ تنسجهُ ... معانِقاً ساقَ رَيّا عودُها خرِعُ

كطرةِ البردِ يروَى الصادِياتُ بهِ ... منَ الأجارِعِ لا ملحٌ ولا نزعُ

لمَّا نزلنَ بجنبيهِ دلفْنَ لَهُ ... جوادِفَ المشي منها البُطءُ والسرَعُ

حتى إذا ما ارْتَوَتْ منْ مائِهِ قطفٌ ... تسقِي الحواقِنَ أحياناً وتجترعُ

ولَّتْ حثاثاً توالِيها وأتْبَعَها ... منْ لابَةٍ أسفَعُ الخديْنِ مختضعُ

يسبقنَ بالقصدِ والإيغالِ كرتَهُ ... إذا تفرقْنَ عنهُ وهوَ مندفِعُ

ململمٌ كمدقِّ الهضبِ منصلتٌ ... ما إنْ يكادُ إذا ما لجَّ يرتجعُ

حتى انتهَى الصقرُ عن حمٍّ قوادِمُها ... تدنو من الأرضِ أحياناً وما تقعُ

وظلَّ بالأكمِ ما يصري أرانِبَها ... منْ حدِّ أظفارِهِ الحجرانُ والقلَعُ

بلْ ما تذكرُ منْ هندٍ إذا احتجبتْ ... بابنِي عوارٍ وأمسَى دونها بلَعُ

وجاورَتْ عبشمياتٍ بمحنيةٍ ... ينأى بهنَّ أخُو داويةٍ مرعُ

قاصِي المحلِّ طباهُ عن عشيرتهِ ... جزءٌ وبينونةُ الجرداءِ أوْ كرَعُ

<<  <   >  >>