فأبلِغْ رياحاً هذه يا بنَ مُرسَلٍ ... مُرَنَّحةً إنّي لها سأهينُها
أظنَّتْ رياحٌ أنّني لنْ أسُبَّها ... لقدْ كذَبَتْها حينَ ظنَّتْ ظنونُها
وقال عمر بن لجإٍ لجَرير:
لعلَّكَ ناهِيكَ الهوى أنْ تَجلَّدا ... وتاركَ أخلاقٍ بها عشتَ أمْردا
أفالآنَ بعدَ الشيبِ يَقتادُكَ الهوى ... إلى الأمرِ لا ترضى مغبَّتَهُ غدا
طرِبْتَ فلوْ طاوعتَ إذْ أنتَ واقفٌ ... بأسفلِ ذي خيمٍ هواكَ لأصعدا
أُتيحَ الهوى منْ أهلِ غَولٍ وثَهْمَدٍ ... كذاكَ يُتاحُ الوُدَّ من قدْ تودَّدا
فلوْ أنَّ أياماً بغَولٍ وثَهمدٍ ... رجعْنَ رضِيناهُنَّ إنْ كنَّ عُوَّدا
سقى ثَهمداً من يرسلُ الغيثَ واللِّوى ... فروَّى وأعلاماً يُقابِلْنَ ثَهمدا
بما نزلَتْ من ثَهمدٍ بينَ بُرقةٍ ... سُعادُ وطَودٍ يسبقُ الطيرَ أقْودا
إذا هيَ حلَّتْ بالسِّتارِ وقابلَتْ ... من النِّيرِ أعلاماً جميعاً وفُرَّدا
وأهلُكَ بالمَطْلى إلى حيثُ أنبَتَتْ ... رياضٌ من الصِّمّانِ سِدراً وغَرقدا
تقطَّعَ منها الودُّ إلاّ بقيّةً ... وجارَ الهوى عما تريدُ فأبْعَدا
فأصبحَ هذا النأيُ شيئاً كرهْتُهُ ... عسى أن يرى ما تكرهُ النفسُ أرْشَدا
فلمْ ترَ منّي غيرَ أشعث َ شاحبٍ ... مُضمَّنَ أحسابٍ فأنشدا
ولمْ أرَ منها غيرَ مَقعَدِ ساعةٍ ... بهِ اختلَبَتْ قلبي فيا لكَ مَقعدا
وسنَّتْ عليهِ مُجْسَداً فوقَ يُمنَةٍ ... عِتاقٍ ولاثَتْ فوقَ ذلك مُجْسَدا
على مَرْسَنٍ منها أغرَّ كأنّهُ ... سنا البرقِ لاقى ليلةَ البدرِ أسعُدا
إذا ارتادَتِ العينانِ فيها رأيتَهُ ... أنيقاً لطَرفِ العينِ حتى تزوَّدا
لها لَبَّةٌ يجري مجالُ وشاحِها ... على مُستوٍ من ناصعٍ غيرَ أكبَدا
وكَشْحٍ كطِيّ السابِريِّ حبَتْ لهُ ... روادفُ منها وعَثّةٌ فتَخضَّدا
كأنَّ نقاً من عالجٍ أُدجِنَتْ بهِ ... سَوارٍ نضحْنَ الرملَ حتى تلبَّدا
تَلُوثُ بهِ منها النطاقَيْنِ بعدَما ... أمرَّتْ ذَنُوبي متْنَها فتأوَّدا
ولاقَتْ نعيماً سامِقاً فسما بها ... سموَّ شبابٍ يملأُ العينَ أمْلدا
كما سمقَتْ بَرْدِيّةٌ وسْطَ حائرٍ ... منَ الماءِ تغدوهُ غِذاءً مُسَرْهَدا
مُنعمةٌ لم تلقَ بؤساً ولم تسُقْ ... حمارَ كُلَيْبيٍّ أقلَّ وأجحدا
عجبْتُ ليربوعٍ وتقديمُ سَوأَةٍ ... منَ الخطَفى كانَ اللئيمَ فأنفذا
فلوْ أنَّ يربوعاً على الخيلِ خاطَروا ... ولكنّما أجْرَوا حماراً مُقيَّدا
وقالوا جريرٌ سوفَ يحمي ذِمارَنا ... كذبْتُمْ ولكنّي بهِ كنتُ أنْقدا
فما اعترفَتْ من سابقٍ يومَ حَلْبَةٍ ... كُلَيْبٌ ولا وافَوا معَ الناسِ مَشهدا
فضجَّ ابنُ أختاتِ استِها إذْ قرنْتُهُ ... بمَتنِ القُوى منّي أمرَّ وأحْصدا
وإنّكَ لو جارَيْتَ بحراً مُقارباً ... ولكنّما جاريْتَ بحراً تَغمَّدا
لهُ حدَبٌ غمْرٌ عَلاكَ بزاخرٍ ... وألفاكَ مُجتافاً غُثاءً مُنضَّدا
خصَيتُ جريراً بعدَ ما شابَ رأسُهُ ... وكسَّرَ نابيَّهِ الذكاءُ وعرَّدا
لنِحْيا جريرِ اللؤمِ فوقَ حمارِهِ ... عليهِ ورِيقا أمِّهِ كانَ أعودا
وأهونُ من عَضْبِ اللسانِ بنَتْ لهُ ... أُسودٌ وساداتٌ بناءً مُشيَّدا
نزَتْ بكَ جهلاً من أتانَيْكَ دِرّةٌ ... فثَوَّرْتَ غَيّاظَ العدوِّ مُحسَّدا
أتفخرُ بالعَلْهانِ بِرْذَوْنِ عاصمٍ ... وسيَّبْتَ جدَّيْكَ المعيدَ وفَرْهدا
إلى الخطَفى عمداً فررْتَ ولم تجدٍ ... بني الخطَفى إلاّ إماءً وأعبُدا
وما استردفَتْ خيلُ الهُذَيلِ نساءَنا ... ولا قُمنَ في صفٍّ لسجْحةَ سُجّدا
ولكنْ منعناهُنَّ من الشِّرْكِ بالقَنا ... وفي السِّلمِ صدَّقْنا النبيَّ مُحمّدا
إذا فزِعتْ نسوانُهنَّ أتينَهُمْ ... مِكاثاً يُزَرِّدْنَ الدِّخالَ المسَرَّدا
أوامِنَ أنْ يُردفْنَ خلفَ عصابةٍ ... سِوانا إذا ما صارِخُ الرَّوعِ ندَّدا