وقد كانت حياة المرابطين داخل الأربطة منظمة بدقة، فالمرابطون وطدوا أنفسهم على الوقوف في وجه الأعداء، فكانت الأربطة تتعاون فيما بينها للدفاع عن المسلمين، فإذا لاح الخطر، وأعطيت الإشارات على اقترابه، آوى المرابطون إلى رباطهم يعتصمون به من العدو، وأغلقوا الأبواب في وجهه، وعملوا كل ما في وسعهم لدفعه وإحلال الهزيمة به.
ونظراً للإقبال المتوقع من رجال الجهاد على تلك الأربطة، فمن المحتمل أن تخضع الفئة الجديدة لما يمكن تسميته بالإعداد العسكري، وعلى هذا فالتدريب والتجهيز العسكري سمة لدى المرابطين، ليكون الكل جاهز لصد عادية المعتدين، كما أن المرابطين يحيون حياة جماعية تعاونية، وهذا مطلب ضروري لبعدهم عن حواضر المدن.
ونظراً لوقوع هذه الأربطة على السواحل، فالمرابطون لابد أن تشتغل فئة منهم باصطياد الأسماك، وإن كانت هناك مزارع فهم يفلحون أراضيهم بأنفسهم، فضلاً عن تعاونهم بإعداد احتياجاتهم من الطعام.
وبصفة عامة فإن حياة المرابطين يغلب عليها طابع التقشف، فهي بعيدة كل البعد عن الملذات، وأما اللهو والمجون فلا سبيل إلى تواجدهما بالقرب من الرباط فضلاً من أن يكون فيه شيء من ذلك (١).
(١) - ورد لدى المالكي أن الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي، نزل يوماً في قصره بسوسه، فأظهر بعض من كان معه من الحشم وغيرهم شيئاً من اللهو والعزف بالات الطرب، فاحتج على ذلك أهل الرباط المجاور، وسار كبارهم إلى قصر الأمير مطالبين بإبطال تلك الملاهي، ورفضوا مغادرة القصر حتى خرج الحاجب إليهم وأبلغهم على لسان الأمير بأنه لن يحدث شيئاً تكرهونه بعد اليوم. انظر، رياض النفوس، ص ٣٩٣ - ٣٩٤.