للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد أن أمضى المنصور زهاء ربع قرن وهو مسيطر على أمور الدولة، أفنى خلالها رجالات الأندلس (١)، وأذل الأمويين، وأخمل ذكر أرباب البيوتات الشهيرة التي هي عماد ملك بني أمية (٢)، وأحدث تغييراً كبيراً في الدولة، حتى أنه غير سياسة بني أمية بالكلية، "فعوَّض باللين


(١) - تمكن المنصور من القضاء على المصحفي بعد أن أعانه عليه غالب الناصري، ثم تخلص من الأخير بعد أن استعان عليه بجعفر بن علي بن حمدون، ثم قتل جعفراً بواسطة فارس العرب معن التجيبي، وتخلص هو من معن بقتله له.
(٢) - البيان المغرب ٢/ ٢٧٢، لعل من أبرز ما يميز حكم بني أمية في الأندلس، أن المناصب الإدارية في دولتهم قد تم حصرها بأيدي أبناء أسر معينة، مثل آل أبي عبدة وآل شهيد وآل جهور وآل فطيس، والأمر في هذا لا يقتصر على هذه الأسر الأربع فقط، فهناك أسر أخرى سوف تتم الإشارة إليها في حينه، وإذا فتشنا عن العلاقة بين الأسرة الأموية وأي أسرة من تلك الأسر، نجد أن رابطا يربط الطرفين بعضهما ببعض منذ أيام الخلافة الأموية في الشام، وعندما قدم الأمير عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس وقف إلى جانبه عمداء تلك الأسر، وأثبتوا له صدق الولاء، وعندما استعملهم لمس منهم الوفاء والكفاءة، فاختط لبنيه وأحفاده من بعده سياسة لم يحيدوا عنها، تقوم على حصر المناصب في تلك الأسر، ليحقق بذلك نقطتين: الأولى: استمرارية ولاء تلك الأسر، والثانية: أن تلك الأسر تمثل سياج حماية قوي للأسرة الأموية، إذ أن مصيرها مرتبط بمصير الأمويين، وبذلك غدا المصير المشترك رابطاً قوياً بين الطرفين، ولذا فقد حرص الأمويون على تقوية تلك الأسر، بينما تفانت الأخيرة في حماية الأسر الأموية، لأجل ذلك فإن إقدام المنصور على إضعاف شأن تلك الأسر هو تقويض لأقوى دعائم الدولة الأموية، وعامل رئيسي من عوامل سقوطها.

<<  <  ج: ص:  >  >>