للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الوصايا والإرشادات التي وصلت إلينا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه رضي الله عنهم، جميعها تشكل القاعدة الرئيسية للثقافة التي يجب أن يتحلى بها من يلي القضاء.

ومن اجتمع فيه الدين والعلم وكان "مطلعاً على أقضية من مضى، غير مستكبر عن مشاورة من معه من أهل العلم، ورعاً، ذكياً فطناً، فهماً غير عجول، نزيهاً عما في أيدي الناس عاقلاً، مرضي الأحوال، غير هيَّاب للأئمة (١) " كان هو الأصلح للقضاء.

ولأن من النادر اجتماع هذه الخصال في رجل واحد - باستثناء السلف الصالح - لأجل هذا نجد الإمام مالك بن أنس، المتوفى سنة (١٧٩) هـ (٧٩٥ م) رحمه الله، يقول: "ولا أرى خصال القضاء تجتمع اليوم في أحد، فإن اجتمع منهما خصلتان: العلم والورع، ولي (٢) "، في حين يرى الفقيه عبد الملك بن حبيب (٣)، أن صفتي العقل والورع تؤهلان الرجل


(١) - معين الحكام، ٢/ ٦٠٨.
(٢) - لباب الألباب، ص ٢٥٤. معين الحكام، ٢/ ٦٠٩.
(٣) - أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي، أصله من قرية قورت، ولد بالبيرة سنة ١٧٤ هـ، ونشأ بها، ثم تحول إلى قرطبة طلباً للعلم، ومن أجله رحل إلى المشرق سنة ٢٠٨ هـ، ثم انصرف إلى الأندلس سنة ٢١٠ هـ حاملاً معه علماً كثيراً، نشره في بلدته، وعندما ذاعت شهرته وعرفت مكانته أمر الأمير عبد الرحمن الأوسط بنقله إلى قرطبة، وجعله مشاوراً مع يحيى بن يحيى وسعيد بن حسان، وقد ألف عبد الملك كتباً كثيرة تجاوزت الألف كتاب في فنون شتى كالفقه والحديث والسير والشمائل والتراجم والتاريخ والطب، ويعتبر كتابه "الواضحة" من أشهر مصنفاته. وصف بأنه عالم الأندلس، فقد كان نحوياً عروضياً شاعراً، حافظاً للأخبار والأنساب والأشعار، متصرفاً في فنون العلم، إلا أنه مع غزارة علمه لم يكن له علم بالحديث ولا كان يعرف صحيحه من سقيمه وبعد وفاة يحيى بن يحيى انفرد عبد الملك بن حبيب برئاسة العلم، ومازال رحمه الله، في سؤدد حتى وافته المنية يوم السبت الخامس من شهر رمضان سنة ٢٣٨ هـ. انظر: قضاة قرطبة، ص ٥٠، ٥٢ - ٥٣، ٥٩ - ٦٠. ابن الفرضي، ترجمة رقم ٨١٦. المقتبس، تحقيق: د. محمود مكي، ص ٤٥ - ٤٨، ٥٥ - ٥٦،، ٥٩ - ٦٠. ترتيب المدارك ٤/ ١٢٢ - ١٤٢. الإحاطة في أخبار غرناطة، ٣/ ٥٤٨ - ٥٥٣. الديباج المذهب، ص ١٥٤ - ١٥٦. Bolgues، op.cit- p: ٢٩ - ٣٧ محمد العربي الخطابي، الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، (دار الغرب الإسلامي بيروت. ط الأولى ١٩٨٨ م)، ١/ ٨٥ - ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>