للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حذره، فتقدم إليه أحدهما، فعبس القاضي في وجهه عله يفهم المراد، فينصرف من تلقاء نفسه، لكنه تمادى، فعندها ألقى القاضي في حجره - دون أن يشعر ذلك العدل - بطاقة مطوية، كتب فيها بيتين من الشعر هما:

أتتني عنك أخبار … لها في القلب آثار

فدع ما قد أتيت له … ففيه العار والنار

فعندما انتبه الرجل لها وقرأ ما فيها، انطلق مسرعاً، ولقي صاحبه في الخارج وطلب منه الانصراف معه، وأخبره أن القاضي قد عرف بأمرهما (١).

ولما كانت كتابة الوثائق من بين المهام الرئيسية للعدول، وطبيعي أن يترتب عليها أحكام قاطعة، لأجل ذلك، فهي مجال واسع لأكل الأموال بالباطل من قبل ضعاف الإيمان، ولذا فقد كان جزاء من يدلس في الوثيقة صارماً، يعمل في بعض الأحيان إلى قطع يد ذلك المدلس، وهذا ما فعله قاضي الجماعة محمد بن بشير برجل اشتهر أمره بالتدليس في الوثائق (٢).

ويبدو أن قطع يد المدلس في الوثائق يتوقف على مدى الضرر الذي أحدثه تدليسه يدل على ذلك أن أبا محمد عبد الله بن محمد الأنصاري المعروف بابن واقزان، كان حافظاً للمسائل والرأي ومن المتقدمين في عقد


(١) - ترتيب المدارك، ٦/ ١٠٠ - ١٠١.
(٢) - النباهي، ص ٤٨. المعيار المعرب، ٢/ ٤١٤. وقد اخلتف في جواز أخذ كاتب الوثائق للأجرة، لكن الرأي الراجح أنه يأخذها بدون اشتراط لئلا يكون شبيهة بالحرفة. انظر: تبصرة الحكام، ١/ ٢٨٦ - ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>