للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمثلة على حياة الزهد التي كان يحياها قضاة الجماعة بقرطبة كثيرة، فبالإضافة إلى ما سبق كان قاضي الجماعة سعيد بن سليمان إذا انصرف من صلاة الجمعة، ذهب إلى الفران وأخذ خبزته ووضعها تحت عضده ودخل بيته (١). وعندما عُزل قاضي الجماعة يحيى بن معمر الألهاني عن منصبه، بعث إليه أحد خواصه من الوزراء أحد أبنائه ومعه بعض الأعوان والزوامل لحمل أمتعته، لكنهم فوجئوا عند دخولهم بيت القاضي بأنهم لم يجدوا من المتاع إلا حصير وخابية دقيق وصحفة وقلة للماء وقدح وسرير كان يرقد عليه (٢).

ومن شدة زهد أولئك القضاة أن أحدهم كان إذا شغل عن القضاء يوماً لا يأخذ لذلك اليوم أجراً (٣)، بل إن أحدهم إذا كان له دخل من غير منصب القضاء، فإنه يتعفف عن رزق القضاء، وإن كان في الواقع بحاجة إليه، فقاضي الجماعة سعيد بن سليمان كانت له ضيعة في فحص البلوط، وكان وكيله على هذه الضيعة المدعو ناصر بن قيس يُحضر للقاضي نتاج ضيعته من القمح والشعير، وهذا النتاج يبلغ سبعة أمداد من شعير وثلاثة أمداد من قمح، وكان القاضي يقول لمن حوله عن هذا الطعام "وهذا


(١) - نفسه، ص ٦٤.
(٢) - نفسه، ص ٤٨.
(٣) - نفسه، ص ٢٢، النباهي، ص ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>