ومن جهة أخرى فإن الفتنة فتحت المجال أمام من هم ليسو أكفاء لتولي خطة الشورى، فرغبتهم في المناصب ازدادت، وأصبحت أمامهم فرصة أخذ الأموال دون تمييز طيبها من خبيثها، بل المجاهرة فيها هي ديدنهم، وازدادت أعدادهم فإذا كنا قد عرفنا أن أعلى عدد لهم هو ستة عشر فقيهاً مشاوراً، فإن عددهم في عهد الخليفة المستكفي كان أربعين رجلاً. وقد حفظ لنا ابن بسام نصاً لابن حيان يصف به حال الشورى زمن الفتنة، فبعد أن ذكر تهافت الناس بكافة فئاتهم على الخطط، قال:" … فأسهم منهم الفقهاء، فآثر العلية منهم المشاورين أصحاب الفتوى بالإرقاء إلى خطة الوزارة، .. ففتنوا بهذه الخطة وشدوا أيديهم عليها وهجروا من حطهم في خطاب عنها، معرضين بما يعاب من ذلك، إلى أن مضوا بسبيلهم، وارتقى المستكفي أيضاً بكثير ممن يحمل المحابر، ويدرس مسائل الدفاتر، ومن أصاغر الطبقة الفقهية، إلى ما بلغت عليتهم من منزلة الشورى، فوسم كافتهم بوسم الفتوى، فأسرف في ذلك، حتى بلغ عددهم بقرطبة يومئذ إلى الأربعين، وذلك مالم يعهد في الغابرين (١) ".
وأما عن حال الشورى في عهد الخليفة هشام المعتد بالله، فقد قال ابن حيان: "وزاد في رزق مشيخة الشورى من مال العين، ففرض لكل واحد خمسة عشر ديناراً مشاهرة، فقبلوا ذلك على خبث أصله، وتساهلوا في مأكل لم يستطبه فقيه قبلهم على اختلاف السلف في قبول جوائز