مِنْهَا أَن يطلع النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هَيْئَة نفسانية تعد الْإِنْسَان لدُخُول الْجنان كَمَا اطلع على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه لَيْسَ فِيهِ خُيَلَاء وَأَنه مِمَّن أكمل الْخِصَال الَّتِي تكون أَبْوَاب الْجنَّة تمثالا لَهَا فَقَالَ: " أَرْجُو أَن تكون مِنْهُم " يَعْنِي الَّذين يدعونَ من الْأَبْوَاب جَمِيعًا.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر رَضِي الله عَنهُ: " مَا لقيك الشَّيْطَان سالكا فجا قطّ إِلَّا سلك فجا غير فجك ".
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِن يَك من أمتِي أحد من الْمُحدثين فَإِنَّهُ عمر ".
وَمِنْهَا: أَن يرى فِي الْمَنَام أَو ينفث فِي روعة مَا يدل على رسوخ قدمه فِي الدّين كَمَا رأى بِلَالًا رَضِي الله عَنهُ يتقدمه فِي الْجنَّة، وَرَأى قصرا لعمر رَضِي الله عَنهُ فِي الْجنَّة وَرَآهُ قمص بقميص سابغ، وَأَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطَاهُ سؤره من اللَّبن فَعبر بِالدّينِ وَالْعلم.
وَمِنْهَا حب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُم وتوقيرهم ومواساته مَعَهم وسوابقهم فِي الْإِسْلَام، فَذَلِك كُله ظَاهره أَنه لم يكن إِلَّا لامتلاء الْقلب من الْإِيمَان.
وَاعْلَم أَن فضل بعض الْقُرُون على بعض لَا يُمكن أَن يكون من جِهَة كل فَضِيلَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مثل أمتِي مثل الْمَطَر لَا يدْرِي أَوله خير أم آخِره " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَنْتُم أَصْحَابِي، وإخواني الَّذين يأْتونَ بعد "
وَذَلِكَ أَن الاعتبارات متعارضة وَالْوُجُوه متجاذبة، وَلَا يُمكن أم يكون تَفْضِيل كل أحد من الْقرن الْفَاضِل على كل أحد من الْقرن الْمَفْضُول كَيفَ وَمن الْقُرُون الفاضلة اتِّفَاقًا من هُوَ مُنَافِق أَو فَاسق وَمِنْهَا الْحجَّاج. وَيزِيد بن مُعَاوِيَة. ومختار. وغلمة من قُرَيْش الَّذين يهْلكُونَ النَّاس وَغَيرهم مِمَّن بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوء حَالهم، وَلَكِن الْحق أَن جُمْهُور الْقرن الأول أفضل من جُمْهُور الْقرن الثَّانِي وَنَحْو ذَلِك.
وَالْملَّة إِنَّمَا تثبت بِالنَّقْلِ والتوارث وَلَا توارث إِلَّا بِأَن يعظم الَّذين شاهدوا مواقع الْوَحْي وَعرفُوا تَأْوِيله وشاهدوا سيرة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم يخلطوا مَعهَا تعمقا وَلَا تهاونا وَلَا مِلَّة أُخْرَى.
وَقد أجمع من يعْتد بِهِ من الْأمة على أَن أفضل الْأمة أَبُو بكر الصّديق، ثمَّ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا، وَذَلِكَ لِأَن أَمر النُّبُوَّة لَهُ جَنَاحَانِ: تلقى الْعلم عَن الله تَعَالَى. وبثه فِي النَّاس، أما التلقي عَن الله فَلَا يُشْرك النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِك أحد، وَأما بثه فَإِنَّمَا تحقق بسياسة وتأليف وَنَحْو ذَلِك، وَلَا شكّ أَن الشَّيْخَيْنِ رَضِي الله عَنْهُمَا أَكثر الْأمة فِي هَذِه الْأُمُور فِي زمَان النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبعده، وَالله أعلم.
وَليكن هَذَا آخر مَا أردنَا إِيرَاده فِي كتاب حجَّة الله الْبَالِغَة، وَالْحَمْد لله تَعَالَى أَولا وآخرا، وظاهرا وَبَاطنا، وَصلى الله على خير خلقه مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ.