فيهم - وَهَذَا حَالهم، فَنظر فِي جَمِيع مَا عِنْد الْقَوْم، فَمَا كَانَ بَقِيَّة الْملَّة الصَّحِيحَة أبقاه، وسجل على الْأَخْذ بِهِ، وَضبط لَهُم الْعِبَادَات بشرع الْأَسْبَاب والأوقات والشروط والأركان والآداب والمفسدات والرخصة والعزيمة وَالْأَدَاء وَالْقَضَاء، وَضبط لَهُم الْمعاصِي بِبَيَان الْأَركان والشروط، وَشرع فِيهَا حدوداً ومزاجر وكفارات، وَيسر لَهُم الدّين بِبَيَان التَّرْغِيب والترهيب، وسد ذرائع الأثم والحث على مكملات الْخَيْر إِلَى غير ذَلِك مِمَّا سبق ذكره، وَبَالغ فِي إِشَاعَة الْملَّة الحنيفية وتغليبها على الْملَل كلهَا، وَمَا كَانَ من تحريفاتهم نَفَاهُ، وَبَالغ فِي نَفْيه، وَمَا كَانَ من الارتفاقات الصَّحِيحَة سجل عَلَيْهِ، وَأمر بِهِ، وَمَا كَانَ فِي رسومهم الْفَاسِدَة مَنعهم عَنهُ، وَقبض على أَيْديهم، وَقَامَ بالخلافة الْكُبْرَى، وجاهد بِمن مَعَه من دونهم حَتَّى تمّ أَمر الله وهم كَارِهُون، وَجَاء فِي بعض الْأَحَادِيث أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بعثت بالملة السمحة الحنيفية الْبَيْضَاء " يُرِيد بالسمحة مَا لَيْسَ فِيهِ مشاق الطَّاعَات كَمَا ابتدعه الرهبان، بل فِيهَا لكل عذر رخصَة يَتَأَتَّى الْعَمَل بهَا للقوي والضعيف والمكتسب والفارغ، وبالحنيفية مَا ذكرنَا من أَنَّهَا مِلَّة إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ، فِيهَا إِقَامَة شَعَائِر الله وكبت شَعَائِر الشّرك وَإِبْطَال التحريف والرسوم الْفَاسِدَة، وبالبيضاء أَن عللها وَحكمهَا والمقاصد الَّتِي بنيت عَلَيْهَا وَاضِحَة لَا ريب فِيهَا لمن تَأمل، وَكَانَ سليم الْعقل غير مكابر، وَالله أعلم.
(المبحث السَّابِع مَبْحَث استنباط الشَّرَائِع من حَدِيث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
(بَاب بَيَان أَقسَام عُلُوم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
اعْلَم أَن مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدون فِي كتب الحَدِيث على قسمَيْنِ.
أَحدهمَا مَا سَبيله سَبِيل تَبْلِيغ الرسَالَة، وَفِيه قَوْله تَعَالَى:
{وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا}
مِنْهُ عُلُوم المعادو عجائب الملكوت، وَهَذَا كُله مُسْتَند إِلَى الْوَحْي، وَمِنْه شرائع وَضبط للعبادات والارتفاقات بِوُجُوه الضَّبْط الْمَذْكُورَة فِيمَا سبق، وَهَذِه بَعْضهَا مُسْتَند إِلَى الْوَحْي، وَبَعضهَا مُسْتَند إِلَى الِاجْتِهَاد، واجتهاده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَة الْوَحْي؛ لِأَن الله تَعَالَى عصمه من أَن يَتَقَرَّر رَأْيه على الْخَطَأ، وَلَيْسَ يجب أَن يكون اجْتِهَاده استنباطا من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute