(بَاب الْمصَالح الْمُقْتَضِيَة لتعيين الْفَرَائِض والأركان والآداب وَنَحْو ذَلِك)
اعْلَم أَنه يجب عِنْد سياسة الْأمة أَن يَجْعَل لكل شَيْء من الطَّاعَات حدان: أَعلَى وَأدنى فالأعلى هُوَ مَا يكون مفضيا إِلَى الْمَقْصُود مِنْهُ على الْوَجْه الأتم، والأدنى هُوَ مَا يكون مفضيا إِلَى جملَة من الْمَقْصُود لَيْسَ بعْدهَا شَيْء يعْتد بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى أَن يطْلب مِنْهُم الشَّيْء، وَلَا يبين لَهُم أجزاءه وَصورته وَمِقْدَار الْمَطْلُوب مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُنَافِي مَوْضُوع الشَّرْع، وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يُكَلف الْجَمِيع بِإِقَامَة الْآدَاب والمكملات لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة التَّكْلِيف بالمحال فِي حق المشتغلين أَو المتعسر، وَإِنَّمَا بِنَاء سياسة الْأمة على الاقتصاد دون الِاسْتِقْصَاء، وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يهمل الْأَعْلَى، ويكتفي بالأدنى، فَإِنَّهُ مشرب السَّابِقين وحظ المخلصين، وإهمال مثله لَا يلائم اللطف، فَلَا محيص إِذا من أَن يبين الْأَدْنَى، ويسجل على التَّكْلِيف بِهِ، وَينْدب إِلَى مَا يزِيد عَلَيْهِ من غير إِيجَاب، وَالَّذِي يسجل على التَّكْلِيف بِهِ يَنْقَسِم إِلَى مِقْدَار مَخْصُوص من الطَّاعَة كالصلوات الْخمس وَصِيَام رَمَضَان، وَإِلَى أبعاض لَهَا لَا يعْتد بهَا بِدُونِهَا كالتكبير وكقراءة فَاتِحَة الْكتاب للصَّلَاة وَتسَمى بالأركان، وَأُمُور خَارِجَة مِنْهَا لَا يعْتد بهَا بِدُونِهَا وَتسَمى بِالشُّرُوطِ كَالْوضُوءِ للصَّلَاة.
وَاعْلَم أَن الشَّيْء قد يَجْعَل ركنا بِسَبَب يشبه الْمَذْهَب الطبيعي، وَقد يَجْعَل بِسَبَب طَارِئ.
فَالْأول أَن تكون الطَّاعَة لَا تتقوم وَلَا تفِيد فائدتها إِلَّا بِهِ كالركوع وَالسُّجُود فِي الصَّلَاة والإمساك عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع فِي الصَّوْم، أَو يكون ضبطا لمبهم خَفِي لَا بُد مِنْهُ فِيهَا كالتكبير، فَإِنَّهُ ضبط للنِّيَّة واستحضار لَهَا، وكالفاتحة فَإِنَّهَا ضبط للدُّعَاء، وكالسلام فَإِنَّهُ ضبط لِلْخُرُوجِ من الصَّلَاة بِفعل صَالح لَا يُنَافِي الْوَقار والتعظيم.
وَالثَّانِي أَن يكون وَاجِبا بِسَبَب آخر من الْأَسْبَاب، فَيجْعَل ركنا فِي الصَّلَاة، لِأَنَّهُ يكملها، ويوفر الْغَرَض مِنْهَا، وَيكون التَّوْقِيت بهَا أحسن تَوْقِيت
كَقِرَاءَة سُورَة من الْقُرْآن على مَذْهَب من يَجْعَلهَا ركنا، فَإِن الْقُرْآن من شَعَائِر الله، يجب تَعْظِيمه، وَألا يتْرك ظهريا، وَلَا أحسن فِي التَّوْقِيت من أَن يؤمروا بهَا فِي آكِد عباداتهم وأكثرها وجودا وأشملها تكليفا، أَو يكون التَّمْيِيز بَين مشتبهين أَو التَّفْرِيق بَين مُقَدّمَة وَالشَّيْء المستقل - مَوْقُوفا على شَيْء،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute