للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصنف هم أهل اصْطِلَاح. قَوِيَّة بهيميتهم. ضَعِيفَة ملكيتهم، وهم أَكثر النَّاس وجودا، يكون غَالب أُمُورهم تَابعا للصورة الحيوانية المجبولة على التَّصَرُّف فِي الْبدن والانغماس فِيهِ فَلَا يكون الْمَوْت انفكاكا لنفوسهم عَن الْبدن بِالْكُلِّيَّةِ، بل تنفك تدبيرا وَلَا تنفك وهما، فتعلم علما من كَذَا بِحَيْثُ لَا يخْطر عِنْدهَا إِمْكَان مُخَالفَة أَنَّهَا عين الْجَسَد، حَتَّى لَو وطئ الْجَسَد، أَو قطع لأيقنت أَنه فعل ذَلِك بهَا، وعلامتهم أَنهم يَقُولُونَ من جذر قُلُوبهم إِن أَرْوَاحهم عين أَجْسَادهم، أَو عرض طَارِئ عَلَيْهَا وَإِن نطقت ألسنتهم لتقليد أَو رسم خلاف ذَلِك فَأُولَئِك إِذا مَاتُوا برق عَلَيْهِم بارق ضَعِيف، وتراءى لَهُم خيال ضفيف مثل مَا يكون هُنَا للمرتاضين، وتتشبح الْأُمُور فِي صور خيالية ومثالية أُخْرَى كَمَا قد تتشبح للمرتاضين، فَإِن كَانَ لابس أعمالا ملكية دس علم الملايمة فِي أشباح مَلَائِكَة حسان الْوُجُوه بِأَيْدِيهِم الْحَرِير ومخاطبات وهيئآت لَطِيفَة وَفتح بَاب إِلَى الْجنَّة تَأتي مِنْهُ روائحها، وَإِن كَانَ لابس أعمالا منافرة للملكية أَو جالية للعن دس علم ذَلِك فِي أشباح مَلَائِكَة سود الْوُجُوه ومخاطبات وهيآت عنفية، كَمَا قد يدس الْغَضَب فِي صُورَة السبَاع، والجبن فِي صُورَة الأرنب.

وهنالك نفوس ملكية اسْتوْجبَ استعدادهم أَن يوكلوا بِمثل هَذِه

المواطن، وَيُؤمر بالتعذيب أَو التَّنْعِيم، فيراهم الْمُبْتَلى عيَانًا. وَأَن كَانَ أهل الدُّنْيَا لَا يرونهم عيَانًا.

وَاعْلَم أَنه لَيْسَ عَالم الْقَبْر إِلَّا من بقايا هَذَا الْعَالم، وَإِنَّمَا تترشح هُنَالك الْعُلُوم من وَرَاء حجاب، وَإِنَّمَا تظهر أَحْكَام النُّفُوس المختصة بفرد دون فَرد بِخِلَاف الْحَوَادِث الحشرية فَإِنَّهَا تظهر عَلَيْهَا وَهِي فانية وَعَن أَحْكَامهَا الْخَاصَّة بفرد فَرد بَاقِيَة بِأَحْكَام الصُّورَة الإنسانية وَالله أعلم.

(بَاب ذكر شَيْء من أسرار الوقائع الحشرية)

اعْلَم أَن للأرواح حَضْرَة تنجذب إِلَيْهَا انجذاب الْحَدِيد إِلَى المغناطيس وَتلك الحضرة هِيَ حَظِيرَة الْقُدس مَحل اجْتِمَاع النُّفُوس المتجردة عَن جلابيب الْأَبدَان بِالروحِ الْأَعْظَم الَّذِي وضفه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَة الْوُجُوه والألسن واللغات، وَإِنَّمَا هُوَ تشبح لصورة نوع الْإِنْسَان فِي عَالم الْمِثَال، أَو فِي الذّكر أيا مَا شِئْت فَقل، وَمحل فنائها عَن المتأكد من أَحْكَامهَا الناشئة من الخصوصية الفردية، وبقائها بأحكامها الناشئة من النَّوْع أَو الْغَالِب عَلَيْهَا جَانب النَّوْع.

<<  <  ج: ص:  >  >>