ووجوه الارتفاقات إِذْ الشَّرْع إِنَّمَا هُوَ إصْلَاح مَا عِنْدهم، لَا تكليفهم بِمَا لَا يعرفونه أصلا وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى:
{قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} .
وَقَوله تَعَالَى:
{لَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي} .
{وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} .
وَالثَّانيَِة كَانَت إِلَى جَمِيع أهل الأَرْض عَامَّة بالارتفاق الرَّابِع وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لعن فِي زَمَانه أَقْوَامًا، وَقضى بِزَوَال دولتهم كالعجم وَالروم، فَأمر بِالْقيامِ باللارتفاق الرَّابِع، وَجعل شرفه وغلبته تَقْرِيبًا لأتمام الْأَمر المُرَاد، وآتاه مَفَاتِيح كنوزهما، فَحصل لَهُ بِحَسب هَذَا الْكَمَال أَحْكَام أُخْرَى غير أَحْكَام التَّوْرَاة كالخراج والجزية والمجاهدات وَالِاحْتِيَاط عَن مدَاخِل التحريف.
وَمِنْهَا أَنه بعث فِي زمَان فَتْرَة قد اندرست فِيهِ الْملَل الحقة، وحرفت، وَغلب عَلَيْهَا التعصب واللجاج، فَكَانُوا لَا يتركون ملتهم الْبَاطِلَة وَلَا عادات الْجَاهِلِيَّة إِلَّا بتأكيد بَالغ فِي مُخَالفَة تِلْكَ الْعَادَات، فَصَارَ ذَلِك معدا لكثير من الاختلافات.
(بَاب أَسبَاب النّسخ)
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى:
{مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} .
اعْلَم أَن النّسخ قِسْمَانِ:
أَحدهمَا أَن ينظر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الارتفاقات أَو وُجُوه
الطَّاعَات، فيضبطها بِوُجُوب الضَّبْط على قوانين التشريع، وَهُوَ اجْتِهَاد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ لَا يقرره الله عَلَيْهِ، بل يكْشف عَلَيْهِ مَا قضى الله فِي الْمَسْأَلَة من الحكم، إِمَّا بنزول الْقُرْآن حسب ذَلِك، أَو تَغْيِير اجْتِهَاده إِلَى ذَلِك وَتَقْرِيره عَلَيْهِ، مِثَال الأول مَا امْر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الِاسْتِقْبَال قبل بَيت الْمُقَدّس، ثمَّ نزل الْقُرْآن بنسخه، وَمِثَال الثَّانِي أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عَن الانتباذ إِلَّا فِي السقاء ثمَّ أَبَاحَ لَهُم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute