للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجمع كل وَاحِدَة أَقْوَامًا من المتألهين والملوك والحكماء ذَوي الرَّأْي الثاقب من عربهم وعجمهم ويهودهم ومجوسهم وهنودهم ونشرح كَيْفيَّة توليدها فِي انقياد البهيمية للقوة الملكية، وَبَعض فوائدها حَسْبَمَا جربنَا على أَنْفُسنَا غير مرّة، وَأدّى إِلَيْهِ الْعقل السَّلِيم، وَالله أعلم.

(بَاب التَّوْحِيد)

أصل أصُول الْبر، وعمدة أَنْوَاعه هُوَ التَّوْحِيد، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يتَوَقَّف عَلَيْهِ الإخبات لرب الْعَالمين، الَّذِي هُوَ أعظم الْأَخْلَاق الكاسبة للسعادة وَهُوَ أصل التَّدْبِير العلمي الَّذِي هُوَ أفيد التدبيرين، وَبِه يحصل للْإنْسَان التَّوَجُّه التَّام تِلْقَاء الْغَيْب، ويستعد نَفسه للحوق بِهِ بِالْوَجْهِ الْمُقَدّس، وَقد نبه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عظم أمره، وَكَونه من أَنْوَاع الْبر بِمَنْزِلَة الْقلب إِذا صلح صلح الْجَمِيع، وَإِذا فسد فسد الْجَمِيع، حَيْثُ أطلق القَوْل فِيمَن مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْء شَيْئا أَنه دخل الْجنَّة، أَو حرمه الله على النَّار، أَو لَا يحجب من الْجنَّة وَنَحْو ذَلِك من الْعبارَات، وَحكى عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى " من لَقِيَنِي بقراب الأَرْض خَطِيئَة لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا لَقيته بِمِثْلِهَا مغْفرَة ".

وَاعْلَم أَن التَّوْحِيد أَربع مَرَاتِب.

إِحْدَاهَا: حصر وجوب الْوُجُود فِيهِ تَعَالَى، فَلَا يكون غَيره وَاجِبا.

وَالثَّانيَِة: حصر خلق الْعَرْش وَالسَّمَوَات وَالْأَرْض وَسَائِر الْجَوَاهِر فِيهِ تَعَالَى، وَهَاتَانِ المرتبتان لم تبحث الْكتب الإلهية عَنْهُمَا، وَلم يُخَالف فيهمَا مشركو الْعَرَب، وَلَا الْيَهُود، وَلَا النَّصَارَى، بل الْقُرْآن الْعَظِيم ناص على أَنَّهُمَا من الْمُقدمَات الْمسلمَة عِنْدهم.

وَالثَّالِثَة: حصر تَدْبِير السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِيهِ تَعَالَى.

وَالرَّابِعَة: أَنه لَا يسْتَحق غَيره الْعِبَادَة، وهما متشابكتان متلازمتان لربط طبيعي بَينهمَا.

وَقد اخْتلف فيهمَا طوائف من النَّاس معظمهم ثَلَاثَة فرق:

النجامون ذَهَبُوا إِلَى أَن النُّجُوم تسْتَحقّ الْعِبَادَة، وَأَن عبادتها تَنْفَع فِي

الدُّنْيَا، وَرفع الْحَاجَات إِلَيْهَا حق، قَالُوا: قد تحققنا أَن لَهَا أثرا عَظِيما فِي الْحَوَادِث اليومية وسعادة

<<  <  ج: ص:  >  >>