للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخرص " دعوا الثُّلُث فَإِن لم تدعوا الثُّلُث، فدعوا الرّبع " أَقُول: السِّرّ فِي مَشْرُوعِيَّة الْخرص دفع الْحَرج عَن أهل الزِّرَاعَة، فَإِنَّهُم يُرِيدُونَ أَن يَأْكُلُوا بسرا. ورطبا. وَعِنَبًا. ونيئا ونضيجا. وَعَن المصدقين لأَنهم لَا يُطِيقُونَ الْحِفْظ عَن أَهلهَا إِلَّا بشق

الْأَنْفس، وَلما كَانَ الْخرص مَحل الشُّبْهَة، وَالزَّكَاة من حَقّهَا التَّخْفِيف أَمر بترك الثُّلُث أَو الرّبع، وَالَّذِي يعد للْبيع لَا يكون لَهُ ميزَان إِلَّا الْقيمَة، فَوَجَبَ أَن يحمل على زَكَاة النَّقْد.

وَفِي الرِّكَاز الْخمس لِأَنَّهُ يشبه الْغَنِيمَة من وَجه وَيُشبه المجان فَجعلت زَكَاته خمْسا.

فرض رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على العَبْد. وَالْحر. وَالذكر. وَالْأُنْثَى. وَالصَّغِير. وَالْكَبِير من الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة أَو صَاعا من أقط أَو صَاعا من زبيب، وَإِنَّمَا قدر بالصاع لِأَنَّهُ يشْبع أهل الْبَيْت، فَفِيهِ غنية مُعْتَد بهَا للْفَقِير، وَلَا يتَضَرَّر الْإِنْسَان بانفاق هَذَا الْقدر غَالِبا، وَحمل فِي بعض الرِّوَايَات نصف صَاع من قَمح على صَاع من شعير لِأَنَّهُ كَانَ غَالِبا فِي ذَلِك الزَّمَان لَا يَأْكُلهُ إِلَّا أهل التنعم، وَلم يكن من مأكل الْمَسَاكِين، بَينه زيد بن أَرقم فِي قصَّة السّرقَة، ثمَّ قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: إِذا وسع الله فوسعوا، وَإِنَّمَا وَقت بعيد الْفطر لمعان: مِنْهَا أَنَّهَا تكمل كَونه من شَعَائِر الله، وَأَن فِيهَا طهرة للصائمين وتكميلا لصومهم بِمَنْزِلَة سنَن الرَّوَاتِب فِي الصَّلَاة.

وَهل فِي الْحلِيّ زَكَاة؟ الْأَحَادِيث فِيهِ متعارضة، واطلاق الْكَنْز عَلَيْهِ بعيد، وَمعنى الْكَنْز حَاصِل، وَالْخُرُوج من الِاخْتِلَاف أحوط.

[المصارف]

الأَصْل فِي المصارف أَن الْبِلَاد على نَوْعَيْنِ: مِنْهَا مَا خلص للْمُسلمين لَا يشوبهم أحد من سَائِر الْملَل، وَمن حَقّهَا أَن يُخَفف عَلَيْهَا، وَهِي لَا تحْتَاج إِلَى جمع رجال وَنصب قتال، وَكَثِيرًا مَا يخرج مِنْهَا من يُبَاشر الْأَعْمَال الْمُشْتَرك نَفعهَا تَصْدِيقًا لما وعد الله من أجر الْمُحْسِنِينَ، وَله كفاف فِي خويصة مَاله إِذْ الْجَمَاعَات الْكَثِيرَة من الْمُسلمين لَا تخلوا من مثل ذَلِك.

وَمِنْهَا مَا فِيهِ جماعات من أهل سَائِر الْملَل، وَمن حَقّهَا أَن يشدد فِيهَا وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:

{أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} .

وَهِي تحْتَاج إِلَى جنود كَثِيرَة وَأَعْوَان قَوِيَّة، وتحتاج إِلَى أَن يقبض على كل عمل نَافِع من يباشره، وَيكون معيشته فِي بَيت المَال،

<<  <  ج: ص:  >  >>