للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(من أَبْوَاب الْإِحْسَان)

اعْلَم أَن مَا كلف بِهِ الشَّارِع تكليفا أوليا إِيجَابا أَو تَحْرِيمًا هُوَ الْأَعْمَال من جِهَة أَنَّهَا تنبعث من الهيآت النفسانية الَّتِي هِيَ فِي الْمعَاد فِي للنفوس أَو عَلَيْهَا وَأَنَّهَا تمد فِيهَا، وتشرحها وَهِي وأشباحها وتماثيلها.

والبحث عَن تِلْكَ الْأَعْمَال من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا جِهَة إلزامها جُمْهُور النَّاس، والعمدة فِي ذَلِك اخْتِيَار مظان تِلْكَ الهيئات من الْأَعْمَال، والطريقة الظَّاهِرَة الَّتِي لَيْلهَا نَهَارهَا يؤاخذون بهَا على أعين النَّاس، فَلَا يتمكنون من التسلل والاعتذار، وَلَا بُد أَن يكون بناؤها على الاقتصاد. والأمور المضبوطة.

وَالثَّانيَِة جِهَة تَهْذِيب نُفُوسهم بهَا وإيصالها إِلَى الهيآت الْمَطْلُوبَة مِنْهَا، والعمدة فِي ذَلِك معرفَة تِلْكَ الهيآت وَمَعْرِفَة الْأَعْمَال من جِهَة إيصالها إِلَيْهَا وبناؤها على الوجدان وتفويض الْأَمر إِلَى صَاحب الْأَمر فالباحث عَنْهَا من الْجِهَة الأولى هُوَ علم الشَّرَائِع وَعَن الثَّانِيَة هُوَ علم الْإِحْسَان.

فالناظر فِي مبَاحث الْإِحْسَان يحْتَاج إِلَى شَيْئَيْنِ: النّظر إِلَى الْأَعْمَال من حَيْثُ إيصالها إِلَى هيآت نفسانية لِأَن الْعَمَل رُبمَا يُؤدى على وَجه الرِّيَاء أوالسمعة وَالْعَادَة، أَو يقارنه الْعجب والمن والأذى، فَلَا يكون موصلا إِلَى مَا أُرِيد مِنْهُ، وَرُبمَا يُؤدى على وَجه لَا تتنبه هَذِه النَّفس لإرواحه تنبها يَلِيق بالمحسنين، وَإِن كَانَ من النُّفُوس من يتَنَبَّه بِمثلِهِ كالمكتفي بِأَصْل الْفَرْض لَا يزِيد عَلَيْهِ كَمَا وَلَا كيفا وَهُوَ لَيْسَ بزكي، وَالنَّظَر فِي تِلْكَ الهيآت النفسانية ليعرفها حق مَعْرفَتهَا، فيباشر الْأَعْمَال على بَصِيرَة مِمَّا أُرِيد مِنْهَا، فَيكون

طَبِيب نَفسه يسوس نَفسه كَمَا يسوس الطَّبِيب الطبيعة، فَإِن من لَا يعرف الْمَقْصُود من الْآلَات كَاد إِذا استعملها أَن يخبط خبط عشواء، أَو يكون كحاطب

<<  <  ج: ص:  >  >>