اعْلَم أَن من أعظم الْمَقَاصِد الَّتِي قصدت ببعثة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام دفع الْمَظَالِم من بَين للنَّاس، فان تظالمهم يفْسد حَالهم، ويضيق عَلَيْهِم، وَلَا حَاجَة إِلَى شرح ذَلِك،
والمظالم على ثَلَاثَة أَقسَام: تعد على النَّفس، وتعد على أَعْضَاء النَّاس، وتعد على أَمْوَال النَّاس، فاقتضت حِكْمَة من الله أَن يزْجر عَن كل نوع من هَذِه الْأَنْوَاع بزواجر قَوِيَّة تردع النَّاس عَن أَن يَفْعَلُوا ذَلِك مرّة أُخْرَى، وَلَا يَنْبَغِي أَن تجْعَل هَذِه الزواجر على مرتبَة وَاحِدَة فان الْقَتْل لَيْسَ كَقطع الطّرف؛ وَلَا قطع الطّرف كاستهلاك المَال.
وَأَن الدَّوَاعِي الَّتِي تنبعث مِنْهَا هَذِه الْمَظَالِم لَهَا مَرَاتِب؛ فَمن البديهي أَن تعمد الْقَتْل لَيْسَ كالتساهل المنجر إِلَى الْخَطَأ: فأعظم الْمَظَالِم الْقَتْل، وَهُوَ أكبر الْكَبَائِر، أجمع عَلَيْهِ أهل الْملَل قاطبتهم، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ طَاعَة النَّفس فِي دَاعِيَة لغضب، وَهُوَ أعظم وُجُوه الْفساد فِيمَا بَين النَّاس، وَهُوَ تَغْيِير خلق الله وَهدم بُنيان الله ومناقضة مَا أَرَادَ الْحق فِي عباده من انتشار نوع الْإِنْسَان