للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(حُقُوق الزَّوْجِيَّة)

اعْلَم أَن الارتباط الْوَاقِع بَين الزَّوْجَيْنِ أعظم الارتباطات المنزلية بأشرها، وأكثرها نفعا، وأتمها حَاجَة؛ إِذْ السّنة عِنْد طوائف النَّاس عربهم وعجمهم أَن تعاونه الْمَرْأَة فِي اسْتِيفَاء الارتفاقات، وَأَن تتكفل لَهُ بتهيئة الْمطعم وَالْمشْرَب والملبس، وَأَن تخزن مَاله، وتحضن وَلَده، وَتقوم فِي بَيته مقَامه عِنْد غيبته إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا حَاجَة إِلَى شَرحه وَبَيَانه، فَلذَلِك كَانَ أَكثر توجه الشَّرَائِع إِلَى إبقائه مَا أمكن وتوفير مقاصده وكراهية تنغيصه وإبطاله، وكل ارتباط لَا يُمكن اسْتِيفَاء مقاصده إِلَّا بِإِقَامَة الألفة، وَلَا ألفة إِلَّا بخصال يقيدان أَنفسهمَا عَلَيْهَا، كالمواساة وعفو مَا يفرط من سوء الْأَدَب والاحتراز عَمَّا يكون سَببا للضغائن ووحر الصَّدْر وَإِقَامَة المفاكهة وطلاقة الْوَجْه وَنَحْو ذَلِك، فاقتضت الْحِكْمَة أَن يرغب فِي هَذِه الْخِصَال ويحث عَلَيْهَا.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" اسْتَوْصُوا بِالنسَاء خيرا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضلع، فَإِن ذهبت تُقِيمهُ كَسرته وَإِن تركته لم يزل أَعْوَج " أَقُول: مَعْنَاهُ اقْبَلُوا وصيتي، وَاعْمَلُوا بهَا فِي النِّسَاء، وان فِي خَلقهنَّ عوجا وسوءا، وَهُوَ

كالأمر اللَّازِم بِمَنْزِلَة مَا يتوارثه الشَّيْء من مادته، وَأَن الْإِنْسَان إِذا أَرَادَ اسْتِيفَاء مَقَاصِد الْمنزل مِنْهَا لَا بُد أَن يُجَاوز عَن محقرات الْأُمُور، ويكظم الغيظ فِيمَا يجده خلاف هَوَاهُ إِلَّا مَا يكون من بَاب الْغيرَة المحمودة وتداركا لجور وَنَحْوه ذَلِك.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا يفرك مُؤمن مُؤمنَة، ان كره مِنْهَا خلقا رَضِي مِنْهَا الآخر " أَقُول: الْإِنْسَان إِذا كره مِنْهَا خلقا يَنْبَغِي أَلا يُبَادر إِلَى الطَّلَاق، فَإِنَّهُ كثيرا مَا يكون فِيهَا خلق آخر يستطاب مِنْهَا، ويتحمل سوء عشرتها لذَلِك.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" اتَّقوا الله فِي النِّسَاء، فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَان الله، واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله، وَلكم عَلَيْهِنَّ أَلا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فَإِن فعلن، فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ ".

اعْلَم أَن الْوَاجِب الْأَصْلِيّ هُوَ المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>