للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد هَمَمْت أَن أنهِي عَن الغيلة فَنَظَرت فِي الرّوم فَارس فَإِذا هم يغيلون أَوْلَادهم فَلَا تضر أَوْلَادهم " وَقَالَ:

" لَا تقتلُوا أَوْلَادكُم سرا فان الغيل يدْرك الْفَارِس، فيدعثره ".

أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى كَرَاهِيَة الغيلة من غير تَحْرِيم، وَسَببه أَن جماع الْمُرْضع يفْسد لَبنهَا، وينفه الْوَلَد، وَضَعفه فِي أول نمائه يدْخل فِي جذر مزاجه، وَبَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه أَرَادَ التَّحْرِيم لكَونه مَظَنَّة الْغَالِب للضَّرَر، ثمَّ أَنَّهَا لما استقرأ وجد أَن الضَّرَر غير مطرد وَأَنه لَا يصلح للمظنة حَتَّى يدار عَلَيْهِ التَّحْرِيم، وَهَذَا الحَدِيث أحد دَلَائِل مَا أَثْبَتْنَاهُ من أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يجْتَهد وَأَن اجْتِهَاده معرفَة الْمصَالح والمظان وإدارة التَّحْرِيم والكراهية عَلَيْهَا.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن من أشر النَّاس عِنْد الله منزلَة الرجل يُفْضِي إِلَى امْرَأَته، وتفضي هِيَ إِلَيْهِ ثمَّ ينشر سرها " أَقُول: لما كَانَ السّتْر وَاجِبا وَإِظْهَار مَا أسبل عَلَيْهِ السّتْر قلبا لموضوعه ومناقضا لغرضه كَانَ من مُقْتَضَاهُ أَن ينْهَى عَنهُ، وَأَيْضًا فاظهار مثل هَذِه مجانة ووقاحة، وَاتِّبَاع مثل هَذِه الدَّوَاعِي يعد النَّفس لتشبح الألوان الظلمانية فِيهَا.

وَكَانَت الْملَل مُخْتَلفه فِيمَا يفعل فِي بالحائض، فَمن متعمق كاليهود يمْنَع مؤاكلتها ومضاجعتها، وَمن متهاون كالمجوس يجوز الْجِمَاع وَغَيره، وَلَا يجد للْحيض بَالا وكل ذَلِك إفراط وتفريط، فراعت الْملَّة المصطفوية التَّوَسُّط فَقَالَ: " اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح " وَذَلِكَ لمعان

مِنْهَا أَن جماع الْحَائِض لَا سِيمَا فِي فَور حَيْضَتهَا ضار اتّفق الْأَطِبَّاء على ذَلِك، وَمِنْهَا أَن مُخَالطَة النَّجَاسَة خلق فَاسد تمجه الطبيعة السليمة، وَيقرب

من الشَّيَاطِين وَفِي مثل الِاسْتِنْجَاء حَاجَة، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من ذَلِك إِزَالَتهَا، وَفِي جماع الْحَائِض الغمس فِي النَّجَاسَة، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

{قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} .

وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِيمَا دون الْجِمَاع، فَقيل: يَتَّقِي شعار الدَّم، وَقيل: يَتَّقِي مَا تَحت الْإِزَار، وعَلى الْوَجْهَيْنِ هُوَ الدَّوَاعِي، وَجَاء الْأَمر لمن عصى الله، فجامع الْحَائِض أَن يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار وَهَذَا لَيْسَ بمجمع عَلَيْهِ، وسر الْكَفَّارَة مَا ذكرنَا مرَارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>