إِجْمَالا أَن لَهما سَببا آخر غير منقض فَلم يتركهما.
وَإِنَّمَا لم يشرع الْوُقُوف بِعَرَفَة فِي الْعمرَة لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا وَقت معِين ليتَحَقَّق معنى الِاجْتِمَاع فَلَا فَائِدَة للوقوف بهَا، وَلَو شرع لَهَا وَقت معِين كَانَت حجا، وَفِي الِاجْتِمَاع مرَّتَيْنِ فِي السّنة مَا لَا يخفى.
وَإِنَّمَا الْعُمْدَة فِي الْعمرَة تَعْظِيم بَيت الله وشكر نعْمَة الله.
والسر فِي السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة على مَا ورد فِي الحَدِيث أَن هَاجر أم إِسْمَعِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما اشْتَدَّ بهَا الْحَال سعت بَينهمَا سعي الْإِنْسَان المجهود، فكشف الله عَنْهُمَا الْجهد بابداء زَمْزَم، وإلهام الرَّغْبَة فِي النَّاس أَن يعمروا تِلْكَ الْبقْعَة، فَوَجَبَ شكر تِلْكَ النِّعْمَة على أَوْلَاده وَمن تَبِعَهُمْ، وتذكر تِلْكَ الْآيَة الخارقة لتبهت بهيميتهم، وتدلهم على الله، وَلَا شَيْء فِي هَذَا مثل أَن يعضد عقد الْقلب بهما بِفعل ظَاهر منضبط مُخَالف لمألوف الْقَوْم فِيهِ تذلل عِنْد أول دُخُولهمْ مَكَّة وَهُوَ محاكاة مَا كَانَت فِيهِ من العناء والجهد، وحكاية الْحَال فِي مثل هَذَا أبلغ بِكَثِير من لِسَان الْمقَال.
قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا ينفرن أحدكُم حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ وخفف عَن الْحَائِض " أَقُول: السِّرّ فِيهِ تَعْظِيم الْبَيْت بِأَن يكون هُوَ الأول وَهُوَ الآخر تصويرا لكَونه هُوَ الْمَقْصُود من السّفر، وموافقة لعادتهم فِي توديع الْوُفُود مُلُوكهَا عِنْد النَّفر، وَالله أعلم.
(قصَّة حجَّة الْوَدَاع)
الأَصْل فِيهَا حَدِيث جَابر. وَعَائِشَة. وَابْن عمر. وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم. اعْلَم أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكث بِالْمَدِينَةِ تسع سِنِين لم يحجّ، ثمَّ أذن فِي النَّاس فِي الْعَاشِرَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاج، فَقدم الْمَدِينَة بشر كثير، فَخرج حَتَّى أَتَى ذَا الحليفة، فاغتسل، وتطيب، وَصلى رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِد، وَلبس إزارا ورداء، وَأحرم، ولبى، لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك، لَا شريك لَك.
أَقُول: اخْتلف هَهُنَا فِي موضِعين: أَحدهمَا أَن نُسكه ذَلِك كَانَ حجا مُفردا، أَو مُتْعَة، بِأَن حل من الْعمرَة، واستأنف الْحَج، أَو أَنه أحرم بِالْحَجِّ، ثمَّ أَشَارَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَن يدْخل الْعمرَة عَلَيْهِ، فَبَقيَ على إِحْرَامه حَتَّى فرغ من الْحَج، وَلم يحل لِأَنَّهُ كَانَ سَاق الْهدى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute