وَإِذا وَقع التصدي لتشريع عَام وَإِصْلَاح جَمَاهِير النَّاس وَطَوَائِف الْعَرَب والعجم وَجب أَلا يُخَيّر فِي ذَلِك الشَّهْر ليختار كل وَاحِد شهرا يسهل عَلَيْهِ صَوْمه، لِأَن فِي ذَلِك فتحا لباب الِاعْتِذَار والتسلل، وسدا لباب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وإخمالا لما هُوَ من اعظم طاعات الْإِسْلَام، وَأَيْضًا فَإِن اجْتِمَاع طوائف عَظِيمَة من الْمُسلمين على شَيْء وَاحِد فِي زمَان وَاحِد يرى بَعضهم بَعْضًا - مَعُونَة لَهُم على الْفِعْل، ميسر عَلَيْهِم،
ومشجع إيَّاهُم، وَأَيْضًا فان اجْتِمَاعهم هَذَا لنزول البركات الملكية على خاصتهم وعامتهم وَأدنى أَن ينعكس أنوار كملهم على من دونهم وتحيط دعوتهم من وَرَاءَهُمْ.
وَإِذا وَجب تعْيين ذَلِك الشَّهْر فَلَا أَحَق من شهر نزل فِيهِ الْقُرْآن، وارتسخت فِيهِ الْملَّة المصطفوية وَهُوَ مَظَنَّة لَيْلَة الْقدر على مَا سَنذكرُهُ.
ثمَّ لَا بُد من بَيَان الْمرتبَة الَّتِي لَا بُد مِنْهَا لكل خامل وَنبيه وفارغ ومشغول وَالَّتِي إِن أخطأها أَخطَأ أصل الْمَشْرُوع والمرتبة المكملة الَّتِي هِيَ مشرع الْمُحْسِنِينَ ومورد السَّابِقين، فَالْأولى صَوْم رَمَضَان والاكتفاء على الْفَرَائِض الْخمس، فورد " من صلى الْعشَاء وَالصُّبْح فِي جمَاعَة فكانما قَامَ اللَّيْل " وَالثَّانيَِة زَائِدَة على الأولى كَمَا وكيفا وَهِي قيام لليالية وتنزيه اللِّسَان والجوارح، وَسِتَّة من شَوَّال، وَثَلَاثَة من كل شهر، وَصَوْم يَوْم عَاشُورَاء وَيَوْم عَرَفَة، واعتكاف الْعشْر الْأَوَاخِر، فَهَذِهِ الْمُقدمَات تجْرِي مجْرى الْأُصُول فِي بَاب الصَّوْم، فَإِذا تمهدت حَان أَن نشتغل بشرح أَحَادِيث الْبَاب.