هِيَ من قدر الله "، وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة سرغ أَلَيْسَ إِن رعيتها فِي الخصب رعيتها بِقدر الله؟ الخ وللعباد اخْتِيَار أفعالهم، نعم لااختيار لَهُم فِي ذَلِك الِاخْتِيَار لكَونه معلولا بِحُضُور صُورَة الْمَطْلُوب ونفعه ونهوض داعيه وعزم بِمَا لَيْسَ لَهُ علم بهَا فَكيف الِاخْتِيَار فِيهَا وَهُوَ قَوْله: " إِن الْقُلُوب بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الله يقلبها كَيفَ يَشَاء " وَالله اعْلَم.
(بَاب الْإِيمَان بِأَن الْعِبَادَة حق الله تَعَالَى على عباده لِأَنَّهُ منعم عَلَيْهِم مجَاز لَهُم بالارادة)
اعْلَم أَن من أعظم أَنْوَاع الْبر أَن يعْتَقد الْإِنْسَان بِمَجَامِع قلبه بِحَيْثُ لَا يحْتَمل نقيض هَذَا الِاعْتِقَاد عِنْده أَن الْعِبَادَة حق الله تَعَالَى على عباده، وَأَنَّهُمْ مطالبون بِالْعبَادَة من الله تَعَالَى بِمَنْزِلَة سَائِر مَا يَطْلُبهُ ذَوُو الْحُقُوق من حُقُوقهم، قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمعَاذ: " يَا معَاذ هَل تدرى مَا حق الله على عباده وَمَا حق الْعباد على الله؟ قَالَ معَاذ: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: " فَإِن
حق الله على الْعباد أَن يعبدوه، وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا، وَحقّ الْعباد على الله تَعَالَى أَلا يعذب من لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا " وَذَلِكَ لِأَن من لم يعْتَقد ذَلِك اعتقادا جَازِمًا وَاحْتمل عِنْده أَن يكون سدى مهملا لَا يُطَالب بِالْعبَادَة، وَلَا يُؤَاخذ بهَا من جِهَة رب مُرِيد مُخْتَار - كَانَ دهريا لَا تقع عِبَادَته، وَإِن بَاشَرَهَا بجوارحه بموقع من قلبه، وَلَا تفتح بَابا بَينه وَبَين ربه، وَكَانَت عَادَة كَسَائِر عاداته.