إِلَيْهِم، لَا يلْتَفت إِلَى الله أصلا، وَإِن كَانَ يعلم بِالنّظرِ البرهاني أَن سلسلة الْوُجُود تنصرم إِلَى الله، وَمِنْهُم من اعْتقد أَن الله هُوَ السَّيِّد وَهُوَ الْمُدبر، لكنه قد يخلع على بعض
عبيده لِبَاس الشّرف والتأله، ويجعله متصرفا فِي بعض الْأُمُور الْخَاصَّة، وَيقبل شَفَاعَته فِي عباده بِمَنْزِلَة ملك الْمُلُوك يبْعَث على كل قطر ملكا، ويقلده تَدْبِير تِلْكَ المملكة فِيمَا عدا الْأُمُور الْعِظَام، فيتلجلج لِسَانه أَن يسميهم عباد الله، فيسويهم وَغَيرهم، فَعدل عَن ذَلِك إِلَى تسميتهم أَبنَاء الله ومحبوبي الله، وسمى نَفسه عبدا لأولئك كَعبد الْمَسِيح وَعبد الْعُزَّى، وَهَذَا مرض جُمْهُور الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين وَبَعض الغلاة من منافقي دين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمنَا هَذَا.
وَلما كَانَ مبْنى التشريع على إِقَامَة المظنة مقَام الأَصْل عد أَشْيَاء محسوسة هِيَ مظان الاشراك كفرا، كسجدة الْأَصْنَام، وَالذّبْح لَهَا، وَالْحلف باسمها، وأمثال ذَلِك، وَكَانَ أول فتح هَذَا الْعلم على أَن رفع لي قوم يَسْجُدُونَ لذباب صَغِير سمى لَا يزَال يُحَرك ذَنبه وأطرافه، فنفث فِي قلبِي هَل تَجِد فيهم ظلمَة الشّرك، وَهل أحاطت الْخَطِيئَة بِأَنْفسِهِم كَمَا تجدها فِي عَبدة الْأَوْثَان؟ قلت لَا أَجدهَا فيهم لأَنهم جعلُوا الذُّبَاب قبْلَة وَلم يخلطوا دَرَجَة تذلل بِالْأُخْرَى قيل فقد هديت إِلَى السِّرّ فَيَوْمئِذٍ ملئ قلبِي بِهَذَا الْعلم، وصرت على بَصِيرَة من الْأَمر، وَعرفت حَقِيقَة التَّوْحِيد والاشراك، وَمَا نَصبه الشَّرْع مظان لَهما، وَعرفت ارتباط الْعِبَادَة بِالتَّدْبِيرِ وَالله أعلم.
(بَاب أَقسَام الشّرك)
حَقِيقَة الشّرك أَن يعْتَقد إِنْسَان فِي بعض المعظمين من النَّاس أَن الْآثَار العجيبة الصادرة مِنْهُ إِنَّمَا صدرت لكَونه متصفا بِصفة من صِفَات الْكَمَال مِمَّا لم يعْهَد فِي جنس الْإِنْسَان، بل يخْتَص بِالْوَاجِبِ جلّ مجده لَا يُوجد فِي غَيره إِلَّا أَن يخلع هُوَ خلعة الألوهية على غَيره، أَو يُغني غَيره فِي ذَاته