بِقُوَّة لحيية، وَلَا أَقُول ذَلِك كليا مطردا فَإِن لله طَائِفَة من عباده لَا يضرهم من خذلهم، وهم حجَّة الله فِي أرضه، وَإِن قلوا، وَلم يَأْتِ قرن بعد ذَلِك إِلَّا وَهُوَ أَكثر فتْنَة وأوفر تقليدا وَأَشد انتزاعا للامانة من صُدُور الرِّجَال حَتَّى اطمأنوا بترك الْخَوْض فِي أَمر الدّين وَبِأَن - يَقُولُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم متقدون - وَإِلَى الله المشتكى وَهُوَ الْمُسْتَعَان وَبِه الثِّقَة وَعَلِيهِ التكلان.
[فصل]
وَمِمَّا يُنَاسب هَذَا الْمقَام التَّنْبِيه على مسَائِل ضلت فِي بواديها الافهام وزلت الْأَقْدَام، وطغت الأقلام.
مِنْهَا أَن هَذِه الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الْمُدَوَّنَة المحررة قد اجْتمعت الْأمة - أَو من يعْتد بِهِ مِنْهَا - على جَوَاز تقليدها إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وَفِي ذَلِك من الْمصَالح مَا لَا يخفى لَا سِيمَا فِي هَذِه الْأَيَّام الَّتِي قصرت فِيهَا الهمم جدا، وأشربت النُّفُوس الْهوى وأعجب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ، فَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حزم حَيْثُ قَالَ: التَّقْلِيد حرَام لَا يحل لأحد أَن يَأْخُذ قَول أحد غير رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا برهَان لقَوْله تَعَالَى:
{وَاتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء} .
وَقَوله تَعَالَى:
{وَإِذا قيل لَهُم اتبعُوا مَا أنزل الله قَالُوا بل نتبع مَا ألفينا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} .
وَقَالَ مادحا لمن لم يُقَلّد:
{فبشر عبَادي الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه أُولَئِكَ الَّذين هدَاهُم الله وَأُولَئِكَ هم أولُوا الْأَلْبَاب} .
وَقَالَ تَعَالَى:
{فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وباليوم الآخر} .
فَلم يبح الله تَعَالَى الرَّد عِنْد التَّنَازُع إِلَى أحددون الْقُرْآن وَالسّنة، وَحرم بذلك الرَّد عِنْد التَّنَازُع إِلَى قَول قَائِل لِأَنَّهُ غير الْقُرْآن وَالسّنة، وَقد صَحَّ إِجْمَاع الصَّحَابَة كلهم أَوَّلهمْ عَن آخِرهم وَإِجْمَاع التَّابِعين أَوَّلهمْ عَن آخِرهم على الِامْتِنَاع وَالْمَنْع من أَن يقْصد مِنْهُم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute