للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَاب أسرار انواع من الْبر)

مِنْهَا الذّكر فَإِنَّهُ لَا حجاب بَينه وَبَين الله تَعَالَى، وَلَا شَيْء مثله فِي علاج سوء الْمعرفَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أنبئكم بِأَفْضَل أَعمالكُم " الحَدِيث وَفِي كسب المحاضرة، وطرد الْقَسْوَة لَا سِيمَا لمن ضعفت بهيميته جبلة أَو ضعفت كسبا، وَلمن سكت خياله جبلة عَن خلط الْمُجَرّد بِأَحْكَام المحسوس.

وَمِنْهَا الدُّعَاء فَإِنَّهُ يفتح بَابا عَظِيما من المحاضرة، وَيجْعَل الانقياد التَّام والاحتياج إِلَى رب الْعَالمين فِي جَمِيع الْحَالَات بَين عَيْنَيْهِ، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدُّعَاء مخ الْعِبَادَة " وَهُوَ شبح توجه النَّفس إِلَى المبدأ بِصفة الطّلب الَّذِي هُوَ السِّرّ فِي جلب الشَّيْء الْمَدْعُو إِلَيْهِ.

وَمِنْهَا تِلَاوَة الْقُرْآن واستماع المواعظ، فَمن ألْقى السّمع إِلَى ذَلِك، ومكنه من اتصبغ بحالات الْخَوْف والرجاء والحيرة فِي عَظمَة الله والاستغراق فِي منَّة الله وَغَيرهَا، فينفع من خمود الطبيعة نفعا بَينا، ويعد النَّفس لفيضان ألوان مَا فَوْقهَا، وَلذَلِك كَانَ أَنْفَع شَيْء فِي الْمعَاد، وَهُوَ قَول الْملك للمقبور:

" لَا دَريت وَلَا تليت " وَفِي الْقُرْآن تَطْهِير للنَّفس عَن الهيآت السفلية، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكل شَيْء مصقلة ومصقلة الْقلب تِلَاوَة الْقُرْآن "

وَمِنْهَا صلَة الارحام وَالْجِيرَان وَحسن المعاشرة مَعَ أهل الْقرْيَة وَأهل الْملَّة وَفك العاني بالاعتاق، فَإِن ذَلِك يعد لنزول الرَّحْمَة والطمأنينة، وَبهَا يتم نظام الارتفاق الثَّانِي وَالثَّالِث، وَبهَا يستجلب دَعْوَة الْمَلَائِكَة.

وَمِنْهَا الْجِهَاد وَذَلِكَ أَن يلعن الْحق إنْسَانا فَاسِقًا ضارا بالجمهور، إعدامه أوفق بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلية من إبقائه، فَيظْهر الإلهام فِي قلب رجل زكي؛ ليَقْتُلهُ، فينبجس من قلبه غضب لَيْسَ لَهُ سَبَب طبيعي، وَيكون فانيا عَن مُرَاده بَاقِيا بِمُرَاد الْحق، ويضمحل فِي رَحْمَة الله ونوره، وَينْتَفع الْعباد والبلاد بذلك، ويتلوه أَن يقْضِي الله بِزَوَال دولة مدن جائرة كفرُوا بِاللَّه، وأساءوا السِّيرَة، فَيُؤْمَر نَبِي من أَنْبيَاء الله بمجاهدتهم، فينفخ دَاعِيَة الْجِهَاد فِي قُلُوب قومه، ليَكُون أمة أخرجت للنَّاس، وتشمله الرَّحْمَة الإلهية، ويتلوه أَن يطلع قوم بِالرَّأْيِ الْكُلِّي على حسن أَن يذبوا أنفسا سبعية عَن المظلومين وَإِقَامَة الْحُدُود على العصاة وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، فَيكون سَببا لأمن الْعباد وطمأنينتهم، فيشكر الله لَهُ عمله.

<<  <  ج: ص:  >  >>