قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك " وَأَقُول: سره أَن أثر الطَّاعَة مَحْبُوب لحب الطَّاعَة متمثل فِي عَالم الْمِثَال مقَام الطَّاعَة، فَجعل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْشِرَاح الْمَلَائِكَة بِسَبَبِهِ ورضا الله عَنهُ فِي كفة وانشراح نفوس بني آدم عِنْد استنشاق رَائِحَة الْمسك فِي كَفه لِيُرِيَهُمْ السِّرّ الْغَيْبِيِّ راى الْعين.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصّيام جنَّة " أَقُول: ذَلِك لِأَنَّهُ يقي شَرّ الشَّيْطَان وَالنَّفس، ويباعد الْإِنْسَان من تأثيرهما، وَيُخَالِفهُ عَلَيْهِمَا، فَلذَلِك كَانَ من حَقه تَكْمِيل معنى الْجنَّة بتنزيه لِسَانه عَن الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال الشهوية، وإليها الْإِشَارَة فِي قَوْله: " فَلَا يرْفث "، والسبعية، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي قَوْله: " وَلَا يصخب " وَإِلَى الْأَقْوَال بقوله: " سابه " وَإِلَى الْأَفْعَال بقوله: " قَاتله " قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلْيقل إِنِّي صَائِم " قيل: بِلِسَانِهِ، وَقيل: بِقَلْبِه، وَقيل: بِالْفرقِ بَين الْفَرْض وَالنَّفْل، وَالْكل وَاسع.
(أَحْكَام الصَّوْم)
قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَصُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال وَلَا تفطروا حَتَّى تروه فَإِن غم عَلَيْكُم، فاقدروا لَهُ - وَفِي رِوَايَة - فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ " أَقُول: لما كَانَ وَقت الصَّوْم مضبوطا بالشهر الْقمرِي بِاعْتِبَار رُؤْيَة الْهلَال، وَهُوَ تَارَة ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَتارَة تسع وَعِشْرُونَ، وَجب فِي صُورَة الِاشْتِبَاه أَن يرجع إِلَى هَذَا الأَصْل وَأَيْضًا مبْنى الشَّرَائِع على الْأُمُور الظَّاهِرَة عِنْد اميين دون التعمق والمحاسبات النجومية، بل الشَّرِيعَة وَارِدَة بإخمال ذكرهَا، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا أمة أُميَّة لَا نكتب وَلَا نحسب " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شهرا عيد لَا ينقصان رَمَضَان وَذُو الْحجَّة " قيل لَا ينقصان مَعًا، وَقيل: لَا يتَفَاوَت اجْرِ ثَلَاثِينَ وَتِسْعَة وَعشْرين، وَهَذَا الْأَخير أقعد بقواعد التشريع كَأَنَّهُ أَرَادَ سد أَن يخْطر فِي قلب أحد ذَلِك.
وَاعْلَم أَن من الْمَقَاصِد المهمة فِي بَاب الصَّوْم سد ذرائع التعمق، ورد مَا أحدثه فِيهِ المتعمقون، فَإِن هَذِه الطَّاعَة كَانَت شائعة فِي الْيَهُود. وَالنَّصَارَى ومتحنثي الْعَرَب، وَلما رَأَوْا أَن أصل الصَّوْم هُوَ قهر النَّفس تعمقوا، وابتدعوا أَشْيَاء فِيهَا زِيَادَة الْقَهْر، وَفِي ذَلِك تَحْرِيف دين الله، وَهُوَ إِمَّا بِزِيَادَة الْكمّ أَو الكيف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute