للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محدودة ومحصاة، وَهَذَا التَّمْثِيل هُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ الاشاعرة بالْكلَام النَّفْسِيّ، وَهُوَ غير الْعلم وَغير الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة، ثمَّ لما جَاءَ وَقت خلق الْمَلَائِكَة علم الْحق أم مصلحَة أَفْرَاد الْإِنْسَان لَا تتمّ إِلَّا بنفوس كَرِيمَة، نسبتها إِلَى نوع الْإِنْسَان كنسبة القوى الْعَقْلِيَّة فِي الْوَاحِد منا إِلَى نَفسه، فأوجدهم بِكَلِمَة (كن) بمحض الْعِنَايَة بأفراد الْإِنْسَان فأودع فِي صُدُورهمْ ظلا من تِلْكَ الْعُلُوم المحدودة المحصاة فِي غيب غيبه، فتصورت بِصُورَة روحية، وإليهم الْإِشَارَة فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى:

{الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله} . الْآيَة.

ثمَّ لما جَاءَ بعض القرانات المقتفية لتغيير الدول والملل، قضى بِوُجُود روحاني آخر لتِلْك الْعُلُوم، فَصَارَت مشروحة مفصلة بِحَسب مَا يَلِيق بِتِلْكَ القرانات، وإليها الْإِشَارَة فِي قَوْله تَعَالَى:

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} .

ثمَّ انتظرت حِكْمَة الله لوُجُود رجل زكي يستعد للوحي قد قضى بعلو شَأْنه وارتفاع مَكَانَهُ حَتَّى إِذا وجد اصطنعه لنَفسِهِ، واتخذه جارحة لإتمام مُرَاده وَأنزل عَلَيْهِ كِتَابه، وَأوجب طَاعَته على عباده، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام:

{واصطنعتك لنَفْسي}

فَمَا أوجب تعْيين تِلْكَ الْعُلُوم فِي غيب الْغَيْب إِلَّا الْعِنَايَة بالنوع، وَلَا سَأَلَ الْحق فيضان نفوس الْمَلأ الْأَعْلَى إِلَّا استعداد النَّوْع، وَلَا ألح عِنْد القرانات بسؤال تِلْكَ الشَّرِيعَة الْخَاصَّة إِلَّا أَحْوَال النَّوْع، فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة.

" فَإِن قيل " من أَيْن وَجب على الْإِنْسَان أَن يُصَلِّي، وَمن أَيْن وَجب عَلَيْهِ أَن ينقاد للرسول، وَمن أَيْن حرم عَلَيْهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَة؟ " فَالْجَوَاب " وَجب عَلَيْهِ هَذَا، وَحرم عَلَيْهِ ذَلِك من حَيْثُ وَجب على الْبَهَائِم أَن ترعى الْحَشِيش، وَحرم عَلَيْهَا أكل اللَّحْم، وَوَجَب على السبَاع أَن تَأْكُل اللَّحْم، وَلَا ترعى الْحَشِيش، وَمن حَيْثُ وَجب على النَّحْل أَن يتبع اليعسوب إِلَّا أَن الْحَيَوَان اسْتوْجبَ تلقي علومها إلهاما جبليا، واستوجب الْإِنْسَان تلقي علومه كسبا ونظرا، أَو وَحيا، أَو تقليدا.

(بَاب اقْتِضَاء التَّكْلِيف المجازاة)

اعْلَم أَن النَّاس مجزيون بأعمالهم، إِن خيرا فَخير، وَإِن شرا فشر من أَرْبَعَة وُجُوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>