الْمَنْصُوص كَمَا يظنّ، بل أَكْثَره أَن يكون علمه الله تَعَالَى مَقَاصِد الشَّرْع وقانون التشريع والتيسير وَالْأَحْكَام، فَبين الْمَقَاصِد المتلقاة بِالْوَحْي بذلك القانون، وَمِنْه حكم مُرْسلَة ومصالح مُطلقَة لم يوقتها، وَلم يبين حُدُودهَا كبيان الْأَخْلَاق الصَّالِحَة وأضدادها، ومستندها غَالِبا الِاجْتِهَاد بِمَعْنى أَن الله تَعَالَى علمه قوانين الارتفاقات، فاستنبط مِنْهَا حكمه، وَجعل فِيهَا كُلية، وَمِنْه فَضَائِل الْأَعْمَال ومناقب الْعمَّال، وَرَأى أَن بَعْضهَا مُسْتَند إِلَى الْوَحْي وَبَعضهَا إِلَى الِاجْتِهَاد، وَقد سبق بَيَان تِلْكَ القوانين، وَهَذَا الْقسم هُوَ الَّذِي نقصد شَرحه وَبَيَان مَعَانِيه.
وَثَانِيهمَا مَا لَيْسَ من بَاب تَبْلِيغ الرسَالَة، وَفِيه قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا أَنا بشر إِذا أَمرتكُم بِشَيْء من دينكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذا أَمرتكُم بِشَيْء من
رَأْيِي، فَإِنَّمَا أَنا بشر " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قصَّة تأبير النّخل: " فانى إِنَّمَا ظَنَنْت ظنا، وَلَا تؤاخذوني بِالظَّنِّ، وَلَكِن إِذا حدثتكم عَن الله شَيْئا، فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لم أكذب على الله " فَمِنْهُ الطِّبّ، وَمِنْه بَاب قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَيْكُم بالأدهم الأقرح " ومستنده التجربة، وَمِنْه مَا فعله النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سَبِيل الْعَادة دون الْعِبَادَة وبحسب الِاتِّفَاق دون الْقَصْد، وَمِنْه مَا ذكره كَمَا كَانَ يذكرهُ قومه كَحَدِيث أم زرع وَحَدِيث خرافة وَهُوَ قَول زيد بن ثَابت حَيْثُ دخل عَلَيْهِ نفر، فَقَالُوا لَهُ حَدثنَا أَحَادِيث رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كنت جَاره، فَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي بعث إِلَيّ، فكتبته لَهُ، فَكَانَ إِذا ذكرنَا الدُّنْيَا ذكرهَا مَعنا، وَإِذا ذكرنَا الْآخِرَة ذكرهَا مَعنا، وَإِذا ذكرنَا الطَّعَام ذكره مَعنا، فَكل هَذَا أحدثكُم عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْه مَا قصد بِهِ مصلحَة جزئية يَوْمئِذٍ وَلَيْسَ من الْأَمر اللَّازِمَة لجَمِيع الْأمة، وَذَلِكَ مثل مَا يَأْمر بِهِ الْخَلِيفَة من تعبئة الجيوش وَتَعْيِين الشعار، وَهُوَ قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: مَا لنا وللرمل كُنَّا نتراءى بِهِ قوما قد أهلكهم الله، ثمَّ خشِي أَن يكون لَهُ سَبَب آخر، وَقد حمل كثير من الْأَحْكَام عَلَيْهِ كَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبة " وَمِنْه حكم وَقَضَاء خَاص، وَإِنَّمَا كَانَ يتبع فِيهِ الْبَينَات والايمان وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ: " الشَّاهِد يرى مَا لَا يرَاهُ الْغَائِب ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute