ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أقْبَلتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِليَّ، فَإِذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ.
حَتَّى إِذَا طَالَ عَليَّ ذَلِكَ مِنْ هَجْرِ المُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ حَائِطَ أبِي قَتادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأحَبُّ النَّاسِ إِليَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَالله مَا رَدَّ عَليَّ السَّلَامَ، فَقُلتُ لَهُ: يَا أبا قَتادَةَ، أنْشُدُكَ الله، هَل تَعْلَمُ أنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ، قَالَ: فَعُدْتُ فَنشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ.
فَبَيْنَا أنا أمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ، إِذَا نَبطِيٌّ مِنْ أنْبَاطِ أهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِليَّ، حَتَّى جَاءَ فَدَفَعَ إِليَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَإِذَا فِيهِ: أمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنَا أنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجعَلكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ، وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، قَالَ: فَقُلتُ: حِينَ قَرَأتُها، وَهَذَا أيْضًا مِنَ البَلَاءِ.
قَالَ: فَتيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ، إِذَا بِرَسُولِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَأتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتَكَ، قَالَ: فَقُلتُ: أُطَلِّقُهَا أمْ مَاذَا أفْعَلُ؟ قَالَ: بَل اعْتَزِلهَا، فَلَا تَقْرَبْهَا، قَالَ: وَأرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُلتُ: لِامْرَأتِي الحَقِي بِأهْلِكِ، فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله فِي هَذَا الأمْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute