للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَأتَاهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أيْ مُحمَّدُ، أرَأيْتَ إِنْ اسْتَأصَلتَ قَوْمَكَ، هَل سَمِعْتَ بِأحَدٍ مِنَ العَرَبِ اجْتَاحَ أصْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَوَالله إِنِّي لَأرَى وُجُوهًا، وَأرَى أوْبَاشًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.

فَقَالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، نَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أبُو بَكْرٍ. قَالَ: أمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أجْزِكَ بِهَا لَأجَبْتُكَ. وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ، أخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ المِغْفَرُ، وَكُلَّمَا أهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لحْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ يَدَهُ بِنَصْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أخِّرْ يَدَكَ عَنْ لحْيَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأسَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: المُغِيرَةُ ابْنُ شُعْبَةَ. قَالَ: أيْ غُدَرُ، أوَلَسْتُ أسْعَى فِي غَدْرَتِكَ.

وَكَانَ المُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ، وَأخَذَ أمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ، فَأسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا الإِسْلَامُ فَأقْبَلُ، وَأمَّا المَالُ، فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ». ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنِهِ، قَالَ: فَوَالله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلدَهُ، وَإِذَا أمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا، خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>