فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ كَلَّمُوهُمْ أنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الخَضِرَ فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي البَحْرِ نَقْرَةً أوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الخَضِرُ يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلمِي وَعِلمُكَ مِنْ عِلمِ الله إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ، إِذْ أخَذَ الفَأسَ فَنَزَعَ لَوْحًا، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأ مُوسَى إِلَّا وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالقَدُّومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ؟ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أهْلَهَا، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: ٧٢، ٧٣].
فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، فَلمَّا خَرَجَا مِنَ البَحْرِ مَرُّوا بِغُلامٍ يَلعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأخَذَ الخَضِرُ بِرَأسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا، - وَأوْمَأ سُفْيَانُ بِأطْرَافِ أصَابِعِهِ كَأنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا -، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أقَتلتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ: ألَمْ أقُل لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ: إِنْ سَألتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أتيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أهْلَهَا، فَأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُما، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ، مَائِلًا، أوْمَأ بِيَدِهِ هَكَذَا، - وَأشَارَ سُفْيَانُ كَأنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ، فَلَمْ أسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلًا إِلَّا مَرَّةً -.
قَالَ: قَوْمٌ أتيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ، لَوْ شِئْتَ لأتَّخذْتَ عَلَيْهِ أجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، سَأُنبِّئُكَ بِتَأوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute