ببيان أن ذلك - أي: ترك النفوس ملذاتها - هو التصرف بالحال، وهو على قسمين: تارة يكون حالاً صحيحةً شرعية، وهذه مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمة، ولا يسمى هذا سحرًا في الشرع. وتارة تكون الحال فاسدة، فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولا يدل إعطاء الله إياهم - أي: السحرة بقوة النفس - هذه الأحوال على محبته لهم، كما أن للدجّال لعنه الله من الخوارق للعادات ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، لكنه مذموم شرعًا، وكذلك كل من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (١) .
٣- سحر الاستعانة بالأرواح الأرضية أو السُّفْلية، وهم الجن: مؤمنهم وكافرُهم، والاتصال بهم عامة أسهل شأنًا من الاتصال بالأرواح السماوية، فهو يحصل بأعمال سهلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل تسخير الجن.
٤- سحر التخيّلات والأخذ بالعيون: وكيفيته أن المشعبذ الحاذق يعلم أن أغلاط البصر كثيرة، وأن القوة الباصرة إنما تدرك المحسوسات إذا تسنى لها زمنًا كافيًا لذلك، وأنها قد تختلط عليها المُبْصَرات إذا توالى عرضها بأزمان صغيرة غير كافية لإدراك كل منها على حدة، ويدرك المشعوذ كذلك أن انشغال النفس بما تهتم به قد يذهلها عن إدراك شيء آخر يقل في أهميته عن الأول باعتقاد الناظر، كما أن السرعة بعمل شيء ما - حال انشغال الناظر بغيره - يُظهر للناظر شيئًا لم يكن يتوقع ظهوره، فيتعجب منه جدًّا، والحال أن مبنى خفاء أعمال الشعوذة على شيئين: أحدهما إشغال الناظر والأخذ بعينيه إلى أمر غير مراد، من صورة أو حركة أو كلام، والثاني: الإسراع بالإتيان بعمل ثانٍ، مع التركيز على مؤثرات خارجية كشدة الإضاءة أو العمد إلى ألوان مظلمة، مما
(١) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ص ١٣٠؛ ط - بيت الأفكار.