للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل السابع

الوقاية والعلاج

تمهيد (١) : التحصين أمر مشروع:

للمرء أن يسأل ابتداءً، بعدما ثبت لديه جواز تأثير السحر مرضًا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع عظيم مقامه وصدق توجّهه وملازمة وِرده، وبخاصة إذا ما علم بعدها أن سلطان السحر إنما يكون في القلوب الضعيفة، لأن الأرواح الخبيثة إنما تنشط على أرواح تلقاها مستعدة لما يناسبها، فكيف جاز بعد هذا كله أن يؤثر سحر ابن الأعصم مرضًا ألمّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمًا له صلى الله عليه وسلم ستة أشهر (٢) ؟! وهل للتوقي من السحر بعد ذلك جنس فائدة؟! لعل الجواب عن ذلك يكمن في أمور منها: أن تأثير السحر على الأرواح الضعيفة إنما هو محمول على الغالب، فلا يمنع احتمال تأثيره على الأرواح القوية المتحصنة، وأن هذا التأثير الأخير قد يكون للابتلاء بالصبر ورفع المنزلة، وأن ما وقع له صلى الله عليه وسلم إنما هو لبيان تجويز ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم، كما في حق كلِّ أحد من البشر، فهو إثبات لبشريته صلى الله عليه وسلم منعًا للغلو في حقه عليه الصلاة والسلام، كما أن فيه تعليمًا لنا بالقدوة على الصبر على البلاء، ولزوم التضرع إلى الله تعالى مع إظهار مزيد الافتقار إليه سبحانه، ومن الحِكَم في ذلك أيضًا إظهار عظيم عناية الله بنبيّه صلى الله عليه وسلم وعصمته له من أذى الناس فلا سمّ ولا سحر يضرّانه - ضرًا معهودًا بأثرهما - عليه الصلاة والسلام، فقد كان سحر ابنِ الأعصم من أشد أنواع السحر ضررًا، وكان سمّ اليهودية


(١) انظر: فتحَ الباري (١٠/٢٤٦) وما بعدها.
(٢) قال ابن حجر رحمه الله - بعد ما نقل عن السهيلي قولَ الزهري: أنه صلى الله عليه وسلم لبث ستة أشهر، قال: وقد وجدناه موصولاً بإسناد الصحيح فهو المعتمد. انظر: الفتح (١٠/٢٣٧) .

<<  <   >  >>