أنكر جماعة من أهل العلم ثبوت هذا الحديث، بل قد زعم بعضهم وضعَه (١) !! وكان مبنى دعواهم إنكارهم ابتداءً لحقيقة أثر السحر في نفس المسحور، وكذلك لإمكان تأثيره في حقائق الأشياء، واعتقادهم بأن أصل السحر لا يعدو كونه تمويهًا وتخييلاً، وأن الروايات قد أثبتت تأثيرًا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم بمرض ووجع، وأنه عليه الصلاة والسلام دعا ربّه فاستجاب له، فأنبأه تعالى بمرضه، وأن ذلك كان بأثر السحر، ثم دلّه سبحانه على كيفية التخلص من ذلك التأثير، فلما أن فعل صلى الله عليه وسلم عافاه ربه عزّ وجلّ، وهذا يناقض - في نظرهم - كون السحر من لطيف أمور التخاييل وخفيِّها، ثم إنهم زعموا - بناء على ما سبق - أن حصول مثل هذا التأثير يحطّ من منزلة النبوة، ويشكّك بما بلَّغه النبيُّون عن ربهم، حيث يكون من المحتمل أنهم تخيّلوا سماعًا للوحي ورؤية لجبريل، وليس ثَمَّ، وقالوا: إن تجويز تأثير السحر فيهم، يلزم منه الإقرار بزعم الكفار أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مسحورًا، كما حكاه عنهم تعالى بقوله:[الفُرقان: ٨]{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا} ، ثم إن السحرة - فيما نصّ عليه القرآن - لا يتأتّى لهم الفلاح فيما رَموْا إليه، وذلك بقوله تعالى:[طه: ٦٩]{وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ، وكيف - والحال هذه - قد تأتى لهم إنفاذ تأثير سحرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ثم إن المنكرين زعموا كذلك ضعفًا في إسناد الحديث، واضطرابًا في متنه، يقضيان - بما رأَوا - بردّه، وترك التمسك به.
أخي القارئ: إن ما سبق هو غاية ما استند إليه منكرو هذا الحديث، وهاك - مكرمًا - وجوهًا في ردّ هذه الدعاوى، أُوردها ذبًّا عن حياض السنَّة
(١) ممن أنكر هذا الحديث أبو بكر الجصّاص، وأبو بكر الأصمّ، والقاسمي وغيرهم رحم الله الجميع. انظر: أحكام القرآن (١/٤٩) ، وتفسير القاسمي (١٧/٦٣٠٨) .