الباب الثاني: بيان علاقة السحر بما يسمى علومًا روحانية
المبحث الأول: التعريف ببعض هذه العلوم، وبيان تعلُّقِها بالسحر.
إن مما تقرر، وصار مسلّمًا فيه - بما تضافرت عليه نصوص الشريعة، وما بات إجماعًا بين أهل الإنصاف من علماء التجريب ورواد الفكر قديمًا وحديثًا - أن دين الإسلام دعا في أصول تعاليمه إلى إعمال العقل والتدبر طريقًا أمثل للتوصل إلى حقائق هذا الكون، ومن ثم التسليم بحقائق الإيمان، والدعوة إليه. فالعلم نتاج المنطق والحجة والبرهان، ولا يمكن لمؤمن التسليم لتخرّصٍ في نظرية، أو لاحتمالٍ في فرض علمي، إلا بعد تمحيص ذلك مرارًا، وعرضها على مُسلَّمات العقل والواقع تكرارًا، لتصير بعدها (معلومة) يمكن الوثوق بها، والتسليم لها. والعلم بهذا المعنى إما أن يكون محسوسًا تجريبيًا، أو غيبًا إيمانيًا؛ أما الأول فطريقه أهل العلوم التطبيقية، وقد دعا الإسلام إلى توقير هؤلاء والأخذ بيدهم ليكونوا سببًا لبيان الحجة على ما أشارت إليه النصوص الشرعية لحقائق كونية كبرى، بثها الله سبحانه في نفس الإنسان وفيما حوله من خلق الله، وقد ظهرت آثار هذا العلم جلية فيما اشتهر في عصرنا بالإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة، بما أبهر عقول المناوئين للإسلام قبل الموالين له. وأما الثاني وهو العلم الغيبي الإيماني، فطريقة الأوحد: الوحي من الله تعالى، بالسماع من رسله عليهم السلام، ولا سبيل إلى معرفة شيء من هذه المغيبات عنا إلا بذلك، لكن - في الوقت عينه - كان للتوثق من وصول هذا العلم إلينا قواعد قررها علماء الإسلام، وهو ما اشتهر بعلم الإسناد، فالقرآن العظيم وصل إلينا متواترًا تكفّل الله سبحانه بحفظه، أما السنة المطهرة فقد قيّض الله لها رجالاً جهابذة نَفَوا عنها ما ليس منها، ومحّصوا أسانيد وصولها إلينا، فمنها متواتر ومنها