مما أنزل على الملكين هاروت وماروت فيها، أو مما تقولت به الشياطين على سبب ملك سليمان، مما يؤثر - بإذن الله الكوني - تفريقًا أو تحبيبًا، لكن هذا النوع من السحر قد دَرَس العلمُ به، وكادت المعرفة به أن تكون مستحيلة، لكن إن وجدت، ووجد من علمها، فإن خطرها يبقى هو الأكثر ضرًا من بين أنواع السحر، لذا فقد ذُكِر هذا الأثرُ في كتاب الله وفي سنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وهو غاية ما يقتدر عليه ساحر أثيم، ولا ينحل أثر ذلك إلا برقى مشروعة، من أعظمها تلاوة المعوذتين، وقول التعوذات النبوية الكريمة. ولو أنك تأملت سائر أنواع السحر من بعد ذلك لوجدتها أسحارًا معتمدة على تنجيم وطلسمات - في تمائم وأحجبة - وعزائم مسخرة وعهود شيطانية، واستعانة بهم في إحداث وسوسة أو مس، أو دلالة على مسروق ونحوه، أو كانت معتمدة على كلام معجم حوى كفرًا، أو اعتمدت على تركيب خواص أرضية أو أدوية أو تدخينات، أو كانت تخييلاً وشعوذة وعلمًا خفيًا بحقائق علمية، أو إيحاءات نفسية بحيازة معرفة الاسم الأعظم، أو بطريق التخاطر الفكري المعروف بالتلباثي، أو كهانة بخط في الرمل، أو رصدًا للحفاظ على مخبوء، أو أنه سحر في اللغة وحسب كسحر البيان وسحر العَضْه، مع كونهما يُخيِّلان كما يعمل السحر.
وعلى ذلك كله نجد أن تقسيم العلاّمة ابن خلدون رحمه الله السحر إلى تلك المراتب الثلاثة التي سبق ذكرها، يمكن إدراج جميع أنواع السحر فيها بما يمايز بينها، ويزيل اللبس عن مفهوم السحر، فيكون السحر المؤثر بهمة الساحر وتصفية نفسه مع قوله رقى ضارة أو نفث في عقد، أو تصوير المسحور، هو من مرتبه السحر الحقيقي بغير مُعين، وكذلك سحر الطلسمات والتنجيم بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانيتها المزعومة، والعزائم المسخرة على خواص حقائق بعض الموجودات، وكذلك سحر الهيمياء بآثار الخصائص السماوية - بزعمهم - والكهانة بأنواعها، كل ذلك سحر على الحقيقة لكن بمعين، وتكون الشعوذة وما