للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متعديًا في ذلك زمن تحيّضها المعتاد، فإذا وصل الجني إلى عِرْق معروف في الرحم، ركضَهُ ركضةً فسال العِرْق دمًا، فتعاني تلك المرأة معاناة الحائض من النساء بسبب تلك الجِرْية الشيطانية، وقد يستمر النزيف أشهرًا، وقد يكون مقدار الدم قليلاً أو كثيرًا.

هذا، ومما يجدر ذكره هنا أن ركضة الشيطان هذه قد تحصل من غير تسليط ساحر بذلك، ويكون ذلك ابتداءً وتلاعبًا من الشيطان من أجل أن يمنع تلك المرأة عن إتمام عباداتها - من صلاة وطواف وصيام وتلاوة ومكث في مسجد - فإذا جرى الشيطان بقوة عند عرق في الرحم تسبب باستمرار تدفق الدم مهراقًا متعديًا زمن الحيضة المعتاد، فتظن المرأة أن حيضها مستمر، فتمتنع عما ذكرناه، لكن الشرع المطهر - كما هو مقرر في كتب الفروع - قد اعتبر ذلك استحاضة (١) لا تحجز المرأة عن إتمام عباداتها، وقد جرى مثل ذلك لبعض الصحابيات رضي الله عنهن، منهن: أم حبيبة حَمْنة بنت جحش زوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وهي أخت زينب أم المؤمنين رضي الله عنها، ومنهن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، وكذا سهلة بنت سهيل رضي الله عنها. فلما أن استفتت كلٌّ منهن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، بيّن لهن عليه الصلاة والسلام بأن الأمر لا يعدو أن يكون داءً عَرَض للمرأة، فهي تُستحاض، أو هو عِرْق انقطع، بسبب ركضة من ركضات الشيطان فيه، كما في حديث: «إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي ... » (٢) . فإن الشيطان - كما في الصحيح -: «يَجْرِي مِنِ ابْنِ


(١) الاستحاضة: أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتادة. انظر: النهاية لابن الأثير [١/٤٦٩] (حيض) .
(٢) أخرجه الترمذيُّ؛ كتاب الطهارة؛ باب: ما جاء في المستحاضة، برقم (١٢٨) ، عن حَمْنة بنت جحش رضي الله عنها. وحسّنه الألباني. انظر: صحيح الترمذي (١١٠) . وأخرجه أبو داود؛ كتاب: الطهارة، باب: من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غُسلاً، برقم (٢٨٨) مختصرًا، وبرقم (٢٩٦) ، من حديث أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها.

<<  <   >  >>