للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مؤثِّرٍ حقيقةً، ضارٍّ غير نافع، تقوم به نفوس قوية مؤثرة باستعانة بمخلوق من شيطان أو كوكب، أو دُخَن وعُقد. وقد يطلق السحر على ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده] (١) .

٦- ... يقول تعالى: [البَقَرَة: ١٠٢] {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} . وهذا النص من الآية الكريمة قد حوى مسألتين من مهمات المسائل:

الأولى: هَل (ما) نافيةٌ بمعنى: لم؟ أم هي موصولة بمعنى (الذي) ، أم أنها تحتمل المعنيين؟

[اختلف أهل التأويل في هذا المقام - اختلافًا بيّنًا - فذهب الإمام القرطبيٌّ رحمه الله إلى أن «ما» نافية (٢) ، وأن {هاروت وماروت} بدل من {الشياطين} , فيكون المعنِيُّ بِـ {الملكين} ، جبريل وميكائيل عليهما السلام. ذلك أن اليهود قد نسبوا السحر إليهما، فنفى الله ذلك عنهما. وعلى ذلك يكون في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: وما كفر سليمان، وما أنزل السحر على


(١) ما بين معقوفتين كلام للإمام ابن حجر رحمه الله. الفتح [١٠/٢٣٢] . وسيأتي بعون الله تعالى - بيان معنى السحر تفصيلاً وأنواعه، في الفصلين: الثاني والثالث.
(٢) وقال - بعد أن رجّح كون (ما) نافية، {هاروت وماروت} بدل من {الشيطان} - ما لفظه: (هذا أَوْلى ما حُمِلت عليه الآية من التأويل، وأصحُّ ما قيل فيها، ولا يُلتفت إلى سواه) . ثم علل مذهبه بقوله: (فالسحر من استخراج الشياطين، لِلَطافة جوهرهم، ودقة أفهامهم) ، ثم شرع رحمه الله في الرد على ما يَرِد عند استبعاد كون الاثنين [هاروت وماروت] بدلاً من الجمع [الشياطين] بخاصة أنه قد تقرر في اللغة وجوب أن يكون البدل على حد المبدل منه، فذكر ثلاثة وجوه؛ الأول: أن الاثنين قد يطلق عليهما اسم الجمع، والثاني: أن هاروت وماروت لما كانا الرأس في التعليم نُصَّ عليهما دون أتباعهما. والثالث: أنهما إنما خُصّا بالذّكر من بين الشياطين لتمردهما، ثم استشهد لما قال، وذكر أن هذا كثير في القرآن وفي كلام العرب] . انظر: تفسيره (٢/٥٠) . وممن ذهب إلى كون «ما» نافية، الأستاذ سيد قطب رحمه الله، مع إقراره بأن هاروت وماروت مَلَكان كانا يعلّمان من أصرّ على تعلّم السحر، ما يفرق به بين المرء وزوجه! انظر: الظلال (١/٩٥-٩٦) .

<<  <   >  >>