لقد حرص الإسلام بأصوله العامة أن يلقي في رُوع المؤمن مسلّمات يفرّق فيها بين الحق والباطل، حيث تمثل تعاليمه ميزانًا لا شطط في حكمه، يعتمد ابتداءً على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فإذا ما أصدر الإسلام حكمًا أو قرر أصلاً وجدنا ذلك متناسقًا بالكلية مع فتوى القلب السليم، ومنحى العقل الحكيم، بينا نجد في كثير من دساتير الأمم قناعًا مشرقًا للتشريعات يقابله وجه عملي لتلك التشريعات تُصيِّرها أسطرًا في أدراج أهل القانون لا تجد إلى الواقع سبيلاً، فإذا ما حرّموا الخمر مثلاً شجعوا الاتجار به، وإذا ما دَعَوا إلى حقوق الإنسان سارعوا إلى انتهاكها بل سحقها، في المقابل نجد أن أمة الإسلام قد لبست وجهًا مجردًا عن الأقنعة في تاريخها، فإذا ما أُعلم الناس بتحريم بادروا إلى الانتهاء عنه، وإذا ما دُعوا إلى فضيلة امتثلوها.
ولعل ما يعنينا من ذلك - في مقامنا هذا - أن من المسلّم فيه عند كل مؤمن وضع السحر وما دار في فلكه في دائرة المحرمات، لما علم من أصل وجوب توحيد الله تعالى، وبناء المجتمع على صفاء العقيدة، وأن الحرص على ذلك هو مكمن القوة في هذا المجتمع، فالمسلم إذا اطلع على فروع أحكام السحر وجدها حالاً قد وافقت ما تأصّل في نفسه، فها هو الفاروق عمر - فيما اشتهر من موافقاته - قد أيقن بتحريم الخمر في قرار نفسه، حتى إنه طلب مرارًا في دعائه:(اللَّهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً)(١) ، لقد كان عمر رضي الله عنه يريد أن يُظهر الله تعالى هذا التحريم الباتّ. كذلك المؤمن؛ فإنه
(١) أخرجه أبو داود، كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر، برقم (٣٦٧٠) . عن عمر رضي الله عنه. صححه الألباني. انظر: صحيح أبي داود (٣١١٧) .