للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الإمام النووي فقد بيّن مذهب الشافعية بقوله: (إن الذمي عندهم لا يُقتل، فقد «سئل الزهري أعلى مَنْ سحر من أهل العهد قتلٌ؟ فقال: بلغنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صُنِع له ذلك فلم يقتل من صنعه، وكان من أهل الكتاب» (١) . أي لبيد بن الأعصم.

وقد بيّن ابن قدامة المقدسي مذهب الحنابلة بقوله: وساحر أهل الكتاب لا يقتل لسحره، إلا أن يَقتل به، ويكون - أي سِحْرُه - مما يَقتُل غالبًا، فيُقتل الساحر قصاصًا، وذلك أن لبيد بن الأعصم سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلم يقتله، ولأن الشرك أعظم من سحره فلا يُقتل به، والأخبار وردت في ساحر المسلمين، لأنه يكفر بسحره، وهذا - أي ساحر أهل الكتاب - كافر أصلي) (٢) .

فائدة: قال ابن بطّال - شارح البخاري - رحمه الله بعد أن ذكر قول ابن شهاب الزهري: بلغنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صُنِع له ذلك ... ، قال: (لا يُقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك، لقول ابن شهاب، ولكن يعاقب، إلا أن يقتل بسحره، فيُقتل، أو يُحدِث حدثاُ فيؤخذ منه بقدر ذلك) (٣) .

هذا، وبعد الإعلام بأن الجمهور على عدم قتل ساحر أهل الكتاب، خلافًا لأبي حنيفة، فقد رجّح العلاّمة الشنقيطي رحمه الله القول بوجوب قتل ساحر أهل الذمة - كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله - وهاك قوله: (وأظهر الأقوال عندنا أنه لا يكون أشد حرمة من ساحر المسلمين، بل يُقتل كما يقتل ساحر المسلمين، وأما عدم قتله صلى الله عليه وسلم لابن الأعصم، فقد بينت الروايات الصحيحة أنه ترك قتله اتقاء إثارة فتنة، فدلّ على أنه لولا ذلك لقتله. وقد


(١) انظر: المجموع شرح المهذب (١٩/٢٤٦) .
(٢) انظر: المغني مع الشرح الكبير (١٠/١١٥) .
(٣) انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطّال (٥/٣٥٨) .

<<  <   >  >>