بغداد فَاتّجَه إليها بِجيشِه المُكَوَّن من عَشْرة آلاف مقاتل، فأرسَل رسالة إلى المَلِك المُظَفّر قطز يُهَدِّده إن لم يُسَلِّم البلاد طَائعًا بنحو ما فعل فى بغداد، وحلب، ودمشق، وغيرها من الأرض، إلّا أنَّ تَهْدِيدَه لم يُحَرِّك سَاكِنًا عند قطز، بل قَتَل رُسلَه، واستَعَدَّ لِلِقائه، وبَادَرهم قبل أن يُبَادِروه، وأقْدَم عليهم قبل أن يُقْدِموا عليه، وسَارَ بجيشه فى قِيَادَة قائدِه "بيبرس البندقدارِيّ"، فَالتَقَى الجَيْشان عند عين جالوت فى الخامس والعشرين من رمضان، فَاقْتَتَلوا قِتَالًا شديدًا، فكَانت النّصرة للإِسلام وأهله - ولله الحمد، فهَزَمهم المُسْلِمون هَزِيمَة نَكراء، وقتل أمير المَغُول (كتبغانوين) ولم يَنْجُ من سُيُوف المسلمين أحدٌ من الصَّلِيبِيّين والمغول إلّا من وَلّى الأدبار وفَرَّ إلى وكره (١).
فلما انجلَى غُبَارُ هذه المَعركة بالنَّصْر المؤزّر، دخل المَلِك المظَفَّر بلاد الشام دمشق، وحلب، وغيرها دخول الظّافر من غير مُنازع ولا مُنافس، بل دخلها فى أبّهة عَظيمة، فرح به النّاس فرحًا شديدًا ودعوا له دعاء كثيرا.
ثم جعل عليها وُلَاتَه وقُضَاتَه، ثم اتَّجَه بعد ذلك إلى مصر عاصِمة دولته فلم يكتب له الوُصُول إليها، بل أدركَتْه المَنِيَّة فى الطَّريق شَهيدًا على يد قائده الظّاهِر بيبرس، لما لَمْ يُكَافِئه على انتصَارِه الساحق على التَّتَار بولاية حَلَب حَسب ما كان قد وعده بها، وبعد ذلك اعتلى بيبرس البندقدَارِيّ عَرْش السلطنة بمصر، وَتَلَقّب بالمَلِك الظَّاهر، فَحَكم وعَدَل، وقَطَع، ووَصل، وولى، وعَزَل، وكان شَهْما شُجَاعًا، ونَظّم الأمُور، وأرسل العَسَاكر بالأسلحة لِحفظ الثُّغُور وَالمَعَاقِل، فلم
(١) راجع المختصر فى أخبار البشر ٣/ ٢٠٥ والبداية والنهاية ١٣/ ٢٢٠ - ٢٢١.