للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقَرَّر معهم تَسلِيم المدينة إلى هلاكو، وأظهروا له الانقياد والطَّاعَة، ودَخَل المغول المدينة دون إراقة دماء، فتسلمها منه فخر الدين المردغائي وابن صاحب أرزن والشريف عليّ، فَكَتَبُوا بذلك إلى هلاكو، فأوصَاهُم بأهل دمشق ونَهَاهم أن يأخُذُوا لأحد درهما فما فوقه. (١)

ولقد تَشَجَّع النَّصَارى فى عهد التَّتَار، لأنّهم سَلّمُوا البلد إلى أمير منهم يقال له: ابل سَيَّان، وكان لعنة الله عليه - مُعَظِّمًا لدين النَّصَارَى فَكَانَ يُعَظِّم أسَاقِفَتَهم وقِسّيسَهم ويَزُور كَنَائسَهم، فَصَارَت لهم دولة وصَوْلَة بِسَبَبِه.

وكانت النَّصَارَى فى عهده يُنَادُون بِشعارهم الخَاصّ، ويَقُولُون: ظَهَر الدِّين الصَّحِيح دينُ المَسيح، ويَذُمُّون دينَ الإسلام وأهلَه، وكانوا يُنَظِّمون مَوَاكب عَامّة يُنْشِدُون فيها الأنَاشِيد ويحملون الصّلبان، ويُجْبِرُون المُسْلمِين على أن يَقُومُوا احتِرامًا لها، ومن أبَى تَعَرّضَ لِلسَّبِّ والشَّتْم والإهانَة، كما أنَّهم يَحْمِلُون الخَمْر يرشُّونَه على ثِيابِ المُسْلِمين ويَصُبُّون على أبواب المَسَاجد، ولما وَقَع هَذَا اجتمع قُضَاة المسلمين والشُّهُود والفُقَهاء ودَخَلُوا القَلْعَة يَشْكُون هذا الحَال إلى مُتَسلمها أمير التَّتَار "ابل سيَّان" ولكنه أهَانَهم وطَرَدَهم وقَدَّم كلَام رؤساء النّصَارَى عليهم، بدل أن يُنْصِفَهم ويَمْنَع النَّصَارَى عن فِعْلَتِهم النكْراء، فَإنّا لله وإنا إليه راجعون (٢).

ولم يكتفِ هذا العابثُ بما فَعَل فى العِراق، وحَلَب والشام إضافة إلى ما سبق له فى البِلَاد الأخرى الَّتى دَخَلَها، بل أمر قَائدَه (كتبغانوين) بِتحريض من الصَّلِيبِيّين أن يَغْزُوا أرض مصر عَاصِمة المُسْلِمين بعد سُقُوط


(١) السلوك ١/ ٢/ ٤٢٤.
(٢) البداية والنهاية ١٣/ ٢١٨ - ٢٢٠ وعيون التواريخ ٢٠/ ٢٢٢ - ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>