للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النسل "نظرية مالتوس".. فهناك موافقات في كيان الحياة ذاته، وفي الظروف المحيطة بها، تجعل حقيقة تقدير الأقوات أوسع من مادة الأقوات ذاتها.. وتمد محيطها إلى ما في بنية الكون من طاقات ومدخرات، وما في تكامل الأحياء من عمليات تعويض، وما في ضوابط الحياة من ضمانات للتناسق بين بعض الأحياء وبعض، وبين الأحياء جميعا والأقوات المدخرة"١.

وكما تقوم الحياة على قاعدة النشأة من "الماء" وعلى قاعدة "الزوجية" كذلك تقوم على قاعدة "الأمة المنظمة" فكل ما يدب على الأرض من أحياء أمم ذات تنظيمات كأمة الإنسان، فهي كلها من أصل واحد، وهي كلها تخضع للخالق العظيم الذي أودع هذه الأمم فطرتها وضوابطها، والإنسان هو قمة هذه المخلوقات، وهي كلها مسخرة له.. "لكنه إنما يرتفع إلى مقامه هذا باحتفاظه بسبب امتيازه، وهو اتصال روحه بمصدر امتيازه، فإذا فارق هذا المقام صار أضل من الحيوان"!

والأحياء مكفولون برزق الله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ، محاطون بعلم الله ورعايته: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود: ٦] ، وخاضعون لسلطان الله: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: ٥٦] .

والأحياء كلها في عبادة الله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: ٤٩] .

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: ١٥] .

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: ٤٤] .

"هناك عوالم أخرى من الأحياء -غير دواب الأرض التي تشمل الإنسان- وهي عوالم أخبرنا الله بوجودها. وليس لنا من مصدر آخر للعلم بها إلا ما أخبر الله عنها، هي الملائكة والجن، ومن الجن الشياطين، وإبليس على رأس الشياطين! والإنسان يتعامل مع هذين الخلقين، ويتأثر بهما في الدنيا والآخرة"٢.

هذه هي حقيقة الحياة التي يتعامل معها "الإنسان" خليفة الله فيها، ومهمة مناهج التربية هي ترسيخ هذه الحقيقة في عقول وقلوب الناشئة، حتى يفهموا أن مهمتهم في الحياة -كخلفاء الله في الأرض- هي إعمارها وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله.. وأن وسيلتهم في ذلك بمعايير العلم، والعدل، والحرية والشورى والإحسان في العمل.


١ المرجع السابق، ص٣٥٩.
٢ المرجع السابق، ص٣٥٩.

<<  <   >  >>