٢٨- فهم الطلاب لطبيعة المجتمع:
لقد فطر الله الإنسان على الاجتماع، فليس بوسع إنسان أن يعيش وحده أو ينفرد بنفسه انفرادا تاما، وليس هناك حادثة نفسية واحدة يمكن أن تتم دون أن يكون لها صلة بأفراد المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، فكل حادثة نفسية لا بد لها من مجال اجتماعي تتم فيه، والعكس صحيح أيضا، فكل حادثة اجتماعية لا بد لها من أصل نفسي١.
إن الصلة قوية بين علم النفس وعلم الاجتماع. فعلم النفس يدرس خصائص الأفراد من حيث إنهم أفراد لهم سلوك، وهذه الخصائص وذاك السلوك كل منهما لا يمكن أن يتم إلا في محيط اجتماعي، أما علم الاجتماع فيدرس الصلات بين الأفراد من وجهة النظر الاجتماعية، مع أخذ أسسها النفسية، ومعاييرها العقائدية في الاعتبار.
مما سبق يمكن القول أن المجتمع يقوم على أربعة عناصر:
العنصر الأول: هو الأفراد الذين يكونون الجماعة.
والعنصر الثاني: هو ما ينشأ بالضرورة عن وجود الجماعة من الصلات بين أفرادها، فالمجتمع نسيج مكون من صلات اجتماعية.
والعنصر الثالث: هو النظام، فالصلات الاجتماعية تنظم وتنسق وفق نظام غايته أن يضبط سلوك الجماعة ويوجهه، وتتخذ الجماعة وسائل شتى لاحترام نظامها وتطبيقه، ومهمة هذا النظام أن يطلق نشاط الأفراد في مجالات ويحبسه في مجالات أخرى، وأن يضع لهم معايير للسلوك تقوم الأمور وفقا لها، فيحرم بعض الأمور ويحل بعضها الآخر.
والعنصر الرابع: هو العقيدة، وهو أعظم العناصر السابقة على الإطلاق وأكبرها خطرا، ذلك أنها تتحكم فيها كلها، وتوجهها جميعا الوجهة التي ترضاها، فهي التي تحدد الصلات الاجتماعية، وهي التي توجد الشعور بالانتماء، وهي التي ترسم نهج السلوك، وهي التي تضع قواعد المجتمع وتقيم نظمه وتهدي إلى مثله.
والعقيدة تتمثل في التصور الإسلامي كما هو الحال في الإسلام، كما تتمثل في الفلسفات الوضعية والنظريات السياسية والاقتصادية التي توجه السلوك والعمل في كثير من المجتمعات الأخرى.
وقد نفى الإسلام كل نعرة عنصرية أو جنسية، أو قومية، أو إقليمية، وما يترتب على ذلك من اختلاف اللغات والألوان، وجعل الأفضلية في ميزان الله الثابت هي تقوى الله، والعمل الصالح لخير عباده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ، "ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى".
ومنهج التربية الإسلامية معني بإفهام الأجيال بحقيقة الفلسفات والنظريات الوضعية المعاصرة كالبراجماتية والماركسية والوجودية والواقعية.. إلى آخره، وذلك لبيان حقيقة وزيف هذه الفلسفات وما ترتب عليها من تيارات عالمية فكرية واجتماعية، ولبيان الأوضاع الاجتماعية المتردية نتيجة الأخذ بهذه الفلسفات، فعرض هذه الفلسفات وما ترتب عليها صورة موضوعية وواقعية وفقا للمعايير الإسلامية هو الضمان الوحيد لفهم حقيقة هذه الفلسفات، وعدم الانبهار ببريقها الزائف.
١ محمد أمين المصري: المجتمع الإسلامي، الكويت، دار الأرقم، ١٤٠٠هـ، ١٩٨٠م، ص٨، ٩.