الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:
نحن نتعامل مع قضية التربية والتعليم في بلادنا -على مستوى الحوار والنقاش، وعلى مستوى الواقع المعاش- كمن لديه شجرة هزيلة ذابلة، تتساقط ثمارها المرة المعطوبة. فأخذ يهذب أغصانها، ويشذب أوراقها، وينظف ثمارها، ظنا منه أن هذا سيعالج ضعفها البادي، ويمنع سقوطها الوشيك، دون أن ينظر إلى جذع الشجرة المنخور، ولا إلى جذورها الممتدة خلال التربة البور!
لقد أضعنا زمنا طويلا نناقش جزئيات القضية وأطرافها المختلفة دون تدبر عميق لإطارها الشامل وأصولها الكلية، فمنا من عاب المناهج المحشوة بالمعلومات والمعارف التي لا قيمة لها في عصر التفجر المعرفي، ومنا من رأى أن المعلم هو حجر الزاوية ولا يصلح التعليم إلا بإصلاحه، وثالث تكلم عن المباني المتهالكة وعن تمويل التعليم، ورابع تحدث عن الدروس الخصوصية ومجانية التعليم، وخامس ركز على ازدحام الفصول الدراسية بالتلاميذ، والتسرب، وعدم استيعاب الملزمين.. إلخ.
والمؤكد أن هذه الأمور كلها وغيرها، هي الثمار العفنة والنتاج الرديء لأصول مغروسة في أرض غير صالحة للاستنبات.
نحن يا سادة في حاجة إلى أن نسأل أنفسنا أولا: من نحن؟ وما نريد أن نكون؟ وأن نجيب عن هذين السؤالين، فالإجابة عنهما توضح لنا فلسفتنا الاجتماعية الشاملة: كيف نرى الله؟ وما حقيقة الكون غيبه وشهوده؟ وما حقيقة الإنسان من حيث مصدره، وغايته، ووظيفته في الحياة، وعلاقته بالكون من حوله، ومركزه في هذا الكون؟ وما حقيقة الحياة الدنيا والآخرة في نظرنا؟ وما المعايير التي تحكم نظم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ وما موجهات الثقافة والفنون والآداب والصحافة والإعلام والإعلان في هذه الحياة؟ وما أهدافها التي تعمل على تحقيقها في ضوء الرؤية الاجتماعية الشاملة المتكاملة؟
إنه بدون تحديد هذه "الفلسفة الاجتماعية" أو "الهوية الاجتماعية" لا يمكن تحديد "الفلسفة التربوية"، فالفلسفة التربوية تنبثق عن الفلسفة الاجتماعية الشاملة، تؤكدها وتعيدها إلى جادة الصواب إذا انحرفت أو انحرف بعض عناصرها عن الخط المرسوم لها.
والفلسفة التربوية هي تحديد للأسس العقائدية والأسس الاجتماعية، والأسس النفسية التي على أساسها تصمم مناهج التربية والتعليم، ويعد المعلمون، ويمول التعليم، وعلى أساسها تقام المباني المدرسية المناسبة، وتنظم الإدارة المدرسية، وتخطط المناشط التربوية المختلفة.. إلخ.